تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٠
والوعيد في الشر، والميعاد يقع لهذا. والظاهر أن الميعاد اسم على وزن مفعال استعمل بمعنى المصدر، أي قل لكم وقوع وعد يوم وتنجيزه. وقال الزمخشري: الميعاد ظرف الوعد من مكان أو زمان، وهو ههنا الزمان، والدليل عليه قراءة من قرأ ميعاد يوم فأبدل منه اليوم. انتهى. ولا يتعين ما قال، إذ يكون بدلا على تقدير محذوف، أي قل لكم ميعاد يوم، فلما حذف أعرب ما قام مقامه بإعرابه.
وقرأ الجمهور: * (ميعاد يوم) * بالإضافة. ولما جعل الزمخشري الميعاد ظرف زمان قال: أما الإضافة فإضافته تبيين، كما تقول: سحق ثوب وبعير سانية. وقرأ ابن أبي عبلة، واليزيدي: ميعاد يوما بتنوينهما. قال الزمخشري: وأما نصب اليوم فعلى التعظيم بإضمار فعل تقديره لكم ميعاد، أعني يوما، وأريد يوما من صفته، أعني كيت وكيت، ويجوز أن يكون انتصابه على حذف مضاف، ويجوز أن يكون الرفع على هذا للتعظيم. انتهى. لما جعل الميعاد ظرف زمان، خرج الرفع والنصب على ذلك، ويجوز أن يكون انتصابه على الظرف على حذف مضاف، أي إنجاز وعد يوم من صفته كيت وكيت. وقرأ عيسى: ميعاد منونا، ويوم بالنصب من غير تنوين مضافا إلى الجملة، فاحتمل تخريج الزمخشري على التعظيم، واحتمل تخريجا على الظرف على حذف مضاف، أي إنجاز وعد يوم كذا. وجاء هذا الجواب على طريق التهديد مطابقا لمجيء السؤال على سبيل الإنكار والتعنت، وأنهم مرصدون بيوم القيامة، يفاجئهم فلا يستطيعون تأخرا عنه ولا تقدما عليه. واليوم: يوم القيامة، وهو السابق إلى الذهن، أو يوم مجيء أجلهم عند حضور منيتهم، أو يوم بدر، أقوال.
و * (لن نؤمن بهاذا القرءان) *: يديه يعني الذي تضمن التوحيد والرسالة والبعث المتقدم ذكرها فيه. * (ولا بالذى بين يديه) *: هو ما نزل من كتب الله المبشرة برسول الله. يروي أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب، فأخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، في كتبهم، وأغضبهم ذلك، وقرنوا إلى القرآن ما تقدم من كتب الله في الكفر، ويكون * (الذين كفروا) * مشركي قريش ومن جرى مجراهم. والمشهور أن * (الذين * بين يديه) *: التوراة والإنجيل وما تقدم من الكتب، وهو مروي عن ابن جريج. وقالت فرقة: * (الذى بين يديه) *: هي القيامة، قال ابن عطية: وهذا خطأ، قائله لم يفهم أمر بين اليد في اللغة، وأنه المتقدم في الزمان، وقد بيناه فيما تقدم. انتهى. * (ولو ترى * إذا * الظالمون) *: أخبر عن حالهم في صفة التعجب منها، وترى في معنى رأيت لإعمالها في الظرف الماضي، ومفعول ترى محذوف، أي حال الظالمين، إذ هم * (موقوفون) *. وجواب لو محذوف، أي لرأيت لهم حالا منكرة من ذلهم وتخاذلهم وتحاورهم، حيث لا ينفعهم شيء من ذلك. ثم فسر ذلك الرجوع والجدل بأن الأتباع، وهم الذين استضعفوا، قالوا لرؤسائهم على جهة التذنيب والتوبيخ ورد اللائمة عليهم: * (لولا أنتم لكنا مؤمنين) *: أي أنتم أغويتمونا وأمرتمونا بالكفر. وأتى الضمير بعد لولا ضمير رفع على الأفصح. وحكى الأئمة سيبويه والخليل وغيرهما مجيئه بضمير الجر نحو: لولاكم، وإنكار المبرد ذلك لا يلتفت إليه. ولما كان مقاما، استوى فيه المرؤوس والرئيس.
بدأ الأتباع بتوبيخ مضليهم، إذ زالت عنهم رئاستهم، ولم يمكنهم أن ينكروا أنهم ما جاءهم رسول، بل هم مقرون. ألا ترى إلى قول المتبوعين: * (بعد إذ جاءكم) *؟ فالجمع المقرون بأن الذكر قد جاءهم، فقال لهم رؤساؤهم: * (أنحن صددناكم) *، فأتوا بالاسم بعد أداة الاستفهام إنكارا، لأن يكونوا هم الذين صدوهم. صددتم من قبل أنفسكم وباختياركم بعد أداة الاستفهام، كأنهم قالوا: نحن أخبرناكم وحلنا بينكم وبين الذكر بعد أن هممتم على الدخول في الإيمان، بل أنتم منعتم أنفسكم حظها وآثرتم الضلالة على الهدى، فكنتم مجرمين كافرين باختياركم، لا لقولنا وتسويلنا. ولما أنكر رؤساؤهم أنهم السبب في كفرهم، وأثبتوا بقولهم: * (بل كنتم مجرمين) *، أن كفرهم هو من قبل أنفسهم، قابلوا إضرابا بإضراب، فقال الأتباع: * (بل مكر اليل والنهار) *: أي ما كان إجرامنا من جهتنا، بل مكركم لنا دائما ومخادعتكم لنا ليلا ونهارا، إذ تأمروننا ونحن أتباع لا نقدر على مخالفتكم، مطيعون لكم لاستيلائكم علينا بالكفر بالله واتخاذ الأنداد. وأضيف المكر إلى الليل والنهار اتسع في الظرفين، فهما في موضع نصب على المفعول به على السعة، أو في موضع رفع على الإسناد المجازي، كما قالوا: ليل نائم، والأولى عندي أن يرتفع مكر على
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»