إن الله خلق السماوات وجعل الأرض والأرضيات في حكمها، ونحن من جملة الأرضيات، فنعبد الكواكب والملائكة السماوية، وهم إلهنا، والله إلههم، فأبطل بقوله: * (لا يملكون) *، * (في السماوات) *، كما اعترفتم، * (ولا فى الارض) *، خلاف ما زعمتم. وقائل: السماوات من الله استبدادا، والأرضيات منه بواسطة الكواكب، فإنه تعالى خلق العناصر والتركيبات التي فيها بالاتصالات وحركات وطوالع، فجعلوا مع الله شركاء في الأرض، والأولون جعلوا الأرض لغيره، فأبطل بقوله: * (وما لهم فيهما من شرك) *، أي الأرض، كالسماء لله لا لغيره، ولا لغيره فيهما نصيب. وقائل: التركيبات والحوادث من الله، لكن فوض إلى الكواكب، وفعل المأذون ينسب إلى الآذن، ويسلب عن المأذون له فيه، جعلوا السماوات معينة لله، فأبطل بقوله: * (وما له منهم من ظهير) * وقائل: نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا، فأبطل بقوله: * (ولا تنفع الشفاعة) *، الجملة، وأل في الشفاعة الظاهر أنها للعموم، أي شفاعة جميع الخلق. وقيل: للعهد، أي شفاعة الملائكة التي زعموها شركاء وشفعاء. انتهى، وفيه بعض تلخيص. وقال أبو البقاء: اللام في * (لمن أذن له) * يجوز أن تتعلق بالشفاعة، لأنك تقول: أشفعت له، وأنت تعلق بتنفع. انتهى، وهذا فيه قلة، لأن المفعول متأخر، فدخول اللام عليه قليل. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: أذن بضم الهمزة؛ وباقي السبعة: بفتحها، أي أذن الله له. والظاهر أن الضمير في قوله: * (قلوبهم) * عائد على ما عادت عليه الضمائر التي للغيبة في قوله: * (لا يملكون) *، وفي * (ما لهم) *، و * (ما لهم * منهم) *، وهم الملائكة الذين دعوهم آلهة وشفعاء، ويكون التقدير: إلا لمن أذن له منهم.
و * (حتى) *: تدل على الغاية، وليس في الكلام عائد على أن حتى غاية له. فقال ابن عطية: في الكلام حذف يدل عليه الظاهر، كأنه قال: ولا هم شفعاء كما تحبون أنتم، بل هم عبدة أو مسلمون أبدا، يعني منقادون، * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *. قال: وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أن قوله: * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) *، إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي، أي جبريل، وبالأمر يأمر الله به سمعت، كجر سلسلة الحديد على الصفوان، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة. وقيل: خوف أن تقوم الساعة، فإذا فزع ذلك عن قلوبهم، أي أطير الفزع عنها وكشف، يقول بعضهم لبعض ولجبريل: * (ماذا قال ربكم) *؟ فيقول المسؤولون: قال * (الحق وهو العلى الكبير) *، وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى، ومن لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله: * (الذين زعمتم) * لم تتصل له هذه الآية بما قبلها، فلذلك اضطرب المفسرون في تفسيرها حتى قال بعضهم في الكفار، بعد حلول الموت: ففزع عن قلوبهم بفقد الحياة، فرأوا الحقيقة، وزال فزعهم مما يقال لهم في حياتهم، فيقال لهم حينئذ: * (ماذا قال ربكم) *؟ فيقولون: قال الحق، يقرون حين لا ينفعكم الإقرار. وقالت فرقة: الآية في جميع العالم. وقوله: * (حتى) *، يريد في الآخرة، والتأويل الأول في الملائكة هو الصحيح، وهو الذي تظاهرت به الأحاديث، وهذا بعيد. انتهى. وإذا كان الضمير في * (عن قلوبهم) * لا يعود على * (الذين زعمتم) *، كان عائدا على من عاد عليه الضمير في قوله: * (ولقد صدق عليهم إبليس) *، ويكون الضمير في * (عليهم) * عائدا على جميع الكفار، ويكون حتى غاية لقوله: * (فاتبعوه) *، ويكون التفزيع حالة مفارقة الحياة، أو يجعل اتباعهم إياه مستصحبا لهم إلى يوم القيامة مجازا) *.
والجملة بعد من قوله: * () *.
والجملة بعد من قوله: * (قل ادعوا) * اعتراضية بين المغيا والغاية. قال ابن زيد: أقروا بالله حين لا ينفعهم الإقرار، فالمعنى: فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم ما كان يطلبهم به، * (قالوا ماذا قال ربكم) *. وقال الحسن: وإنما يقال للمشركين * (ماذا قال ربكم) * على لسان الأنبياء، فأقروا حين لا ينفع. وقيل: * (حتى) * غاية متعلقة بقوله: * (زعمتم) *، أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم ما زعمتم وقلتم: قال الحق. انتهى. فيكون في الكلام التفاوت من خطاب في * (زعمتم) * إلى غيبة في * (فزع عن قلوبهم) *. وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال: فإذا أدن فزع ودام فزعه حتى إذا أزيل التفزيع عن قلوبهم. قال بعض الشافعين من الملائكة لبعض الملائكة: * (ماذا قال ربكم) * في قبول شفاعتنا؟ فيجيب بعضهم لبعض: قال أي الله الحق، أي القول الحق، وهو قبول شفاعتهم، إذا كان تعالى أذن لهم في ذلك، ولا يأذن إلا وهو مريد