فصل عند غيرهم مبتدأ، قاله أبو عمر الجرمي. والظاهر أن الفاعل ليهدي هو ضمير الذي أنزل، وهو القرآن، وهو استئناف إخبار. وقيل: هو في موضع الحال على إضمار، وهو يهدي، ويجوز أن يكون معطوفا على الحق، عطف الفعل على الاسم، كقوله: * (صافات ويقبضن) *، أي قابضات، كما عطف الاسم على الفعل في قوله:
* فألفيته يوما يبير عدوه * وبحر عطاء يستحق المعابرا * عطف وبحر على يبير، وقيل: الفاعل بيهدي ضمير عائد على الله، وفيه بعد. * (وقال الذين كفروا) *: هم قريش، قال بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء، كما يقول الرجل لمن يريد أن يعجبه: هل أدلك على قصة عريبة نادرة؟ لما كان البعث عندهم من المحال، جعلوا من يخبر عن وقوعه في حيز من يتعجب منه، وأتوا باسمه، عليه السلام، نكرة في قوله: * (هل ندلكم على رجل) *؟ وكان اسمه أشهر علم في قريش، بل في الدنيا، وإخباره بالبعث أشهر خبر، لأنهم أخرجوا ذلك مخرج الاستهراء والتحلي ببعض الأحاجي المعمولة للتلهي والتعمية، فلذلك نكروا اسمه. وقرأ الجمهور: * (ينبئكم) * بالهمز؛ وزيد بن علي: بإبدال الهمزة ياء محضة. وحكى عنه الزمخشري: ينبئكم، بالهمزة من أنبأ، وإذا جوابها محذوف تقديره: تبعثون، وحذف لدلالة ما بعده عليه، وهو العامل إذا، على قول الجمهور. وقال الزجاج ذلك، وقال أيضا هو والنحاس: العامل * (مزقتم) *. قال ابن عطية: هو خطأ وإفساد للمعنى. وليس بخطأ ولا إفساد للمعنى، وإذا الشرطية مختلف في العامل فيها، وقد بينا ما كتبناه في (شرح التسهيل) أن الصحيح أن يعمل فيها فعل الشرط، كسائر أدوات الشرط. والجملة الشرطية يحتمل أن تكون معمولة لينبئكم، لأنه في معنى يقول لكم: * (إذا مزقتم كل ممزق) *، ثم أكد ذلك بقوله: * (إنكم لفى خلق جديد) *. ويحتمل أن يكون: * (إنكم لفى خلق جديد) * معمولا لينبئكم، ينبئكم متعلق، ولولا اللام في خبر إن لكانت مفتوحة، فالجملة سدت مسد المفعولين. والجملة الشرطية على هذا التقدير اعتراض، وقد منع قوم التعليق في باب أعلم، والصحيح جوازه. قال الشاعر:
* حذار فقد نبئت أنك للذي * ستنجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى وممزق مصدر جاء على زنة اسم المفعول، على القياس في اسم المصدر من كل فعل زائد على الثلاثة، كقوله:
* ألم تعلم بمسرحي القوافي فلا عيابهن ولا اجتلابا * أي: تسريحي القوافي. وأجاز الزمخشري أن يكون ظرف مكان، أي إذا مزقتم في مكان من القبور وبطون الطير والسباع، وما ذهبت به السيول كل مذهب، وما نسفته الرياح فطرحته كل مطرح. انتهى. و * (جديد) *، عند البصريين، بمعنى فاعل، تقول: جد فهو جاد وجديد، وبمعنى مفعول عند الكوفيين من جده إذا قطعه. والظاهر أن قوله: * (افترى) * من قول بعضهم لبعض، أي هو مفتر، * (على الله كذبا) * فيما ينسب إليه من أمر البعث، * (أم به) * جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه. عاد لو أبين الافتراء والجنون، لأن هذا القول عندهم إنما يصدر عن أحد هذين، لأنه إذا كان يعتقد خلاف ما أتى به فهو مفتر، وإن كان لا يعتقده فهو مجنون. ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال: * (هل ندلكم) *، ردد بين الشيئين ولم يجزم