فأبقى من كل ما يدل على المحذوف، أبقيت الفاء من فضرب واتصلت بانفلق، ليدل على ضرب المحذوفة، وأبقى انفلق ليدل على الفاء المحذوفة منه. وهذا قول شبيه بقول صاحب البرسام، ويحتاج إلى وحي يسفر عن هذا القول. وإذا نظرت القرآن وجدت جملا كثيرة محذوفة، وفيها الفاء نحو قوله: * (فأرسلون * يوسف أيها الصديق) *، أي فأرسلوه، فقال يوسف أيها الصديق، والفرق الجزء المفصل. والطود: الجبل العظيم المنطاد في السماء. وحكى يعقوب عن بعض القراء، أنه قرأ كل فلق باللام عوض الراء.
* (وأزلفنا) *: أي قربنا، * (ثم) *: أي هناك، وثم ظرف مكان للبعد. * (الاخرين) *: أي قوم فرعون، أي قربناهم، ولم يذكر من قربوا منه، فاحتمل أن يكون المعنى: قربناهم حيث انفلق البحر من بني إسرائيل، أو قربنا بعضهم من بعض حتى لا ينجو أحد، أو قربناهم من البحر. وقرأ الحسن، وأبو حيوة: وزلفنا بغير ألف. وقرأ أبي، وابن عباس، وعبد الله بن الحارث: وأزلقنا بالقاف عوض الفاء، أي أزللنا، قاله صاحب اللوامح. قيل: من قرأ بالقاف صار الآخرين فرعون وقومه، ومن قرأ بالعامة يعني بالقراءة العامة، فالآخرون هم موسى وأصحابه، أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة. انتهى، وفي الكلام حذف تقديره: ودخل موسى وبنو إسرائيل البحر وأنجينا. قيل: دخلوا البحر بالطول، وخرجوا في الصفة التي دخلوا منها بعد مسافة، وكان بين موضع الدخول وموضع الخروج أوعار وجبال لا تسلك.
* (إن فى ذلك لآية) *: أي لعلامة واضحة عاينها الناس وشاع أمرها. قال الزمخشري: * (وما كان أكثرهم مؤمنين) *: أي ما تنبه أكثرهم عليها ولا آمنوا. وبنو إسرائيل، الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء، قد سألوه بقرة يعبدونها، واتخذوا العجل، وطلبوا رؤية الله جهرة. انتهى. والذي يظهر أن قوله: * (وما كان أكثرهم مؤمنين) *: أي أكثر قوم فرعون، وهم القبط، إذ قد آمن السحرة، وآمنت آسية امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وعجوز اسمها مريم، دلت موسى على قبر يوسف عليه السلام، واستخرجوه وحملوه معهم حين خرجوا من مصر.
* (واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون * قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وءاباؤكم الاقدمون * فإنهم عدو لى إلا رب العالمين * الذى خلقنى فهو يهدين * قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وءاباؤكم الاقدمون * فإنهم عدو لى إلا رب العالمين * الذى خلقنى فهو يهدين * والذى هو يطعمنى ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذى يميتنى ثم يحيين * والذى أطمع أن يغفر لى خطيئتى يوم الدين * رب هب لى حكما وألحقنى بالصالحين * واجعل لى لسان صدق فى الاخرين * واجعلنى من ورثة جنة النعيم * واغفر لابى إنه كان من الضالين * ولا تحزنى * يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم * وأزلفت الجنة للمتقين * وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم * أينما * كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفى ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم * فلو أن لنا كرة فنكون من * المؤمنون * إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *.
لما كانت العرب لها خصوصية بإبراهيم عليه السلام، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم) أن يتلو عليهم قصصه، وما جرى له مع قومه. ولم يأت في قصة من قصص هذه السورة أمره عليه السلام بتلاوة قصة إلا في هذه، وإذ: العامل فيه. قال الحوفي: أتل، ولا يتصور ما قال إلا بإخراجه عن الظرفية وجعله بدلا من نبا، واعتقاد أن العامل في البدل والمبدل منه واحد. وقال أبو البقاء: العامل في إذ نبأ. والظاهر أن الضمير في * (وقومه) * عائد على إبراهيم. وقيل: على أبيه، أي وقوم أبيه، كما قال: * (إنى أراك وقومك فى ضلال مبين) *. وما: استفهام بمعنى التحقير والتقرير. وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم