لأن النبي ذو حكمة وحكم بين الناس. وقال أبو عبد الله الرازي: لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة لأنها حاصلة، فلو طلب النبوة لكانت مطلوبة، إما عين الحاصلة أو غيرها. والأول محال، لأن تحصيل الحاصل محال، والثاني محال، لأنه يمنع أن يكون الشخص الواحد نبيا مرتين، بل المراد من الحكم ما هو كمال النبوة العملية، وذلك بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به. انتهى. وقال ابن عطية: وقد فسر الحكم بالحكمة والنبوة، قال: ودعاؤه عليه السلام في مثل هذا هو في التثبت والدوام. وإلحاقه بالصالحين: توفيقه لعمل ينتظمه في جملتهم، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة. وقد أجابه تعالى حيث قال: * (وإنه فى الاخرة لمن الصالحين) *.
قال أبو عبد الله الرازي: وإنما قدم قوله: * (هب لى حكما) * على قوله: * (وألحقنى بالصالحين) *، لأن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية، لأنه يمكنه أن يعلم الحق، وإن لم يعمل به، وعكسه غير ممكن، لأن العلم صفة الروح، والعمل صفة البدن، وكما أن الروح أشرف من البدن، كذلك العلم أفضل من الإصلاح. انتهى. ولسان الصدق، قال ابن عطية: هو الثناء وتخليد المكانة بإجماع من المفسرين. وكذلك أجاب الله دعوته، فكل ملة تتمسك به وتعظمه، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم). قال مكي: وقيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق، فأجيبت الدعوة في محمد عليه السلام، وهذا معنى حسن، إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ. انتهى. ولما طلب سعادة الدنيا، طلب سعادة الآخرة، وهي جنة النعيم، وشبهها بما يورث، لأنه الذي يقسم في الدنيا شبه غنيمة الدنيا بغنيمة الآخرة، وقال تعالى: * (تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا) *.
ولما فرغ من مطالب الدنيا والآخرة لنفسه، طلب لأشد الناس التصاقا به، وهو أصله الذي كان ناشئا عنه، وهو أبوه، فقال: * (واغفر لابى) *، وطلبه المغفرة مشروط بالإسلام، وطلب المشروط يتضمن طلب الشرط، فحاصله أنه دعا بالإسلام. وكان وعده ذلك يوضحه قوله: * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو * الله) *، أي الموافاة على الكفر تبرأ منه. وقيل: كان قال له إنه على دينه باطنا وعلى دين نمروذ ظاهرا، تقية وخوفا، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه، ولذلك قال في دعائه: * (واغفر لابى إنه كان من الضالين) *. فلولا اعتقاده أنه في الحال ليس بضال ما قال ذلك. * (ولا تحزنى) *: إما من الخزي، وهو الهوان، وإما من الخزاية، وهي الحياء. والضمير في * (يبعثون) * ضمير العباد، لأنه معلوم، أو ضمير * (الضالين) *، ويكون من جملة الاستغفار، لأنه يكون المعنى: يوم يبعث الضالون. وأتى فيهم: * (يوم لا ينفع) * بدل من: * (يوم يبعثون) *. * (مال ولا بنون) *: أي كما ينفع في الدنيا يفديه ماله ويذب عنه بنوه. وقيل: المراد بالبنين جميع الأعوان. وقيل: المعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر، لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا. والظاهر أن الاستثناء منقطع، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه. قال الزمخشري: ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف، وهو الحال المراد بها السلامة، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان، وإنما ينفع سلامة القلب، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى. انتهى. ولا ضرورة تدعو إلى حذف مضاف، كما ذكر، إذ قدرناه، لكن * (من أتى الله بقلب سليم) * ينفعه ذلك، وقد جعله الزمخشري في أول توجيه متصلا بتأويل قال: إلا من أتى الله: لا حال من أتى الله بقلب سليم، وهو من قوله