وقال الزمخشري: ومعنى * (*) *، بالرفع فيهما عطفا على أخاف. فالمعنى: إنه يفيد ثلاث علل: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان. وقرأ الأعرج، وطلحة، وعيسى، وزيد بن علي، وأبو حيوة، وزائدة، عن الأعمش، ويعقوب: بالنصب فيهما عطفا على يكذبون، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف. وحكى أبو عمرو الداني، عن الأعرج: أنه قرأ بنصب: ويضيق، ورفع: ولا ينطلق، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر، لأن اللسان إذ ذاك يتلجلج ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان. وقال ابن عطية: وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر، لم ينطلق اللسان.
فأرسل إلى هارون) *: معناه يعينني ويؤازرني، وكان هارون عليه السلام فصيحا واسع الصدر، فحذف بعض المراد من القول، إذ باقية دال عليه. انتهى. وقال الزمخشري: ومعنى * (*) *: معناه يعينني ويؤازرني، وكان هارون عليه السلام فصيحا واسع الصدر، فحذف بعض المراد من القول، إذ باقية دال عليه. انتهى. وقال الزمخشري: ومعنى * (فأرسل إلى هارون) *: أرسل إليه جبريل عليه السلام، واجعله نبيا، وأزرني به، واشدد به عضدي؛ وهذا كلام مختصر، وقد أحسن في الاختصار حيث قال: * (فأرسل إلى هارون) *، فجاء بما يتضمن معنى الاستثناء. وقوله: * (إنى أخاف) * إلى آخره، بعد أن أمره الله بأن يأتي القوم الظالمين، ليس توقفا فيما أمره الله تعالى به، ولكنه طلب من الله أن يعضده بأخيه، حتى يتعاونا على إنفاذ أمره تعالى، وتبليغ رسالته، مهد قبل طلب ذلك عذره ثم طلب. وطلب العون دليل على القبول لا على التوقف والتعلل، ومفعول أرسل محذوف. فقيل جبريل، كما تقدم ذكره، وفي الخبر أن الله أرسل موسى إلى هارون، وكان هارون بمصر حين بعث الله موسى نبيا بالشام. قال السدي: سار بأهله إلى مصر، فالتقى بهارون وهو لا يعرفه فقال: أنا موسى، فتعارفا؛ وأمرهما أن ينطلقا إلى فرعون لأداء الرسالة، فصاحت أمهما لخوفهما عليه، فذهبا إليه.
* (ولهم على ذنب) *: أي قبلي قود ذنب، أو عقوبة، وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها، أو سمى تبعة الذنب ذنبا، كما سمى جزاء السيئة سيئة. وليس قول موسى ذلك تلكأ في أداء الرسالة، بل قال ذلك استدفاعا لما يتوقعه منهم من القتل، وخاف أن يقتل قبل أداء الرسالة، ويدل على ذلك قوله: كلا، وهي كلمة الردع، ثم وعده تعالى بالكلاءة والدفع. وكلا رد لقوله: * (إنى أخاف) *، أي لا تخف ذلك، فإني قضيت بنصرك وظهورك. وقوله: * (فاذهبا) *، أمر لهما بخطاب لموسى فقط، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع، ولكنه قال لموسى: * (اذهب أنت وأخوك) *. قال الزمخشري: جمع الله له الاستجابتين معا في قوله: * (كلا فاذهبا) *، لأنه استدفعه بلاءهم، فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس المؤازرة بأخيه، فأجابه بقوله: اذهب، أي اذهب أنت والذي طلبته هارون. فإن قلت: علام عطف قوله اذهبا؟ قلت: على الفعل الذي يدل عليه كلا، كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظن، فاذهب أنت وهارون بآياتنا، يعم جميع ما بعثهما الله به، وأعظم ذلك العصا، وبها وقع العجز. قال ابن عطية: ولا خلاف أن موسى هو الذي حمله الله أمر النبوة وكلفها، وأن هارون كان نبيا رسولا معينا له ووزيرا. انتهى. ومعكم، قيل: من وضع الجمع موضع المثنى، أي معكما. وقيل: هو على ظاهره من الجمع، والمراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه. وكان شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون أريد بصورة الجمع المثنى، والخطاب لموسى وهارون فقط، قال: لأن لفظة مع تباين من يكون كافرا، فإنه لا يقال الله معه. وعلى أنه أريد بالجمع التثنية، حمله سيبويه رحمه الله وكأنهما لشرفهما عند الله، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع، إذ كان ذلك جائزا أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته.
قال ابن عطية: * (مستمعون) * اهتبالا، ليس في صيغة سامعون، وإلا فليس يوصف الله تعالى بطلب الاستماع، وإنما القصد إظهار التهم ليعظم أنس موسى، أو يكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع. وقال الزمخشري: * (معكم مستمعون) * من مجاز الكلام، يريد أنا لكما ولعدوكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه، فأظهركما وغلبكما وكسر شوكته عنكما ونكسه. انتهى. ويجوز أن يكون معه متعلقا بمستمعون، وأن يكون خبرا ومستمعون خبر ثان. والمعية هنا مجاز، وكذلك الاستماع، لأنه بمعنى الإصغاء، ولا يلزم من الاستماع السماع، تقول: أسمع إليه، فما سمع واستمع إليه، فسمع كما قال: * (استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا) *، وأفرد رسول هنا ولم يثن، كما في قوله: * (إنا رسولا ربك) *، إما لأنه مصدر بمعنى الرسالة، فجاز أن يقع مفردا خبر المفرد فما فوقه، وإما لكونهما ذوي شريعة واحدة، فكأنهما رسول واحد. وأريد بقوله: أنا أوكل واحد منا رسول.
* (ورسول * رب العالمين) * فيه رد عليه، وأنه مربوب لله تعالى، بادهه