تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٧
المجمع. وقال الزمخشري: وكانوا أول جماعة مؤمنين من أهل زمانهم، وهذا لا يصح لأن بني إسرائيل كانوا مؤمنين قبل إيمان السحرة.
* * (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادى إنكم متبعون * فأرسل فرعون فى المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون * فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بنى إسراءيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معى ربى سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الاخرين * الارض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم * إن في ذلك لاية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم) *. تقدم الخلاف في * (أسر) *، وأنه قرىء بوصل الهمزة وبقطعها في سورة هود. وقرأ اليماني: أن سر، أمر من سار يسير. أمر الله موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلا من مصر إلى تجاه البحر، وأخبره أنهم سيتبعون. فخرج سحرا، جاعلا طريق الشام على يساره، وتوجه نحو البحر، فيقال له في ترك الطريق، فيقول: هكذا أمرت. فلما أصبح، علم فرعون بسري موسى ببني إسرائيل، فخرج في أثرهم، وبعث إلى مدائن مصر ليحلقه العساكر. وذكروا أعدادا في أتباع فرعون وفي بني إسرائيل، الله أعلم بصحة ذلك. * (إن هؤلاء لشرذمة) *: أي قال إن هؤلاء وصفهم بالقلة، ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلا، جمع السلام الذي هو للقلة، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل، والظاهر تقليل العدد. قال الزمخشري: ويجوز أن يريد بالقلة: الذلة والقماءة، ولا يريد قلة العدد، والمعنى: أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غفلتهم، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم يساره، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن، لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه. انتهى. قال أبو حاتم: وقرأ من لا يؤخذ عنه: * (لشرذمة قليلون) *، وليست هذه موقوفة. انتهى. يعني أن هذه القراءة ليست موقوفة على أحد رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقيل: * (لغائظون) *: أي بخلافهم وأخذهم الأموال حين استعاروها ولم يردوها، وخرجوا هاربين. وقرأ الكوفيون، وابن ذكوان، وزيد بن علي: * (حاذرون) *، بالألف، وهو الذي قد أخذ يحذر ويجدد حذره، وحذر متعد. قال تعالى: * (يحذر الاخرة) *. وقال العباس بن مرداس:
* وإني حاذر أنمي سلاحي * إلى أوصال ذيال صنيع * وقرأ باقي السبعة: بغير ألف وهو المتيقظ. وقال الزجاج: مؤذن، أي ذوو أدوات وسلاح، أي متسلحين. وقيل: حذرون في الحال، وحادرون في المآل. وقال الفراء: الحاذر: الخائف ما يرى، والحذر: المخلوق حذرا. وقال أبو عبيدة: رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد. وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة، وأنه يعمل كما يعمل حاذر، فينصب المفعول به، وأنشد:
* حذر أمورا لا تضير وآمن * ما ليس منجيه من الأقدار *
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»