وقال ابن عطية: قرأ البزي، وابن فليح، عن ابن كثير: بشد التاء وفتح اللام وشد القاف، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن حذف همزة الوصل، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة، كما لا تدخل على أسماء الفاعلين. انتهى. كأنه يخيل أنه لا يمكن الابتداء بالكلمة إلا باجتلاب همزة الوصل، وليس ذلك بلازم كثيرا ما يكون الوصل مخالفا للوقف، والوقف مخالفا للوصل، ومن له تمرن في القراءات عرف ذلك.
* (قالوا لا ضير) *: أي لا ضرر علينا في وقوع ما وعدتنا به من قطع الأيدي والأرجل والتصليب، بل لنا فيه المنفعة التامة بالصبر عليه. يقال: ضاره يضيره ضيرا، وضاره يضوره ضورا. إنا إلى ربنا: أي إلى عظيم ثوابه، أو: لا ضير علينا، إذ انقلابنا إلى الله بسبب من أسباب الموت والقتل أهون أسبابه. وقال أبو عبد الله الرازي: لما آمنوا بأجمعهم، لم يأمن فرعون أن يقول قومه لم تؤمن السحرة على كثرتهم إلا عن معرفة بصحة أمر موسى فيؤمنون، فبالغ في التنفير من جهة قوله: * (قال ءامنتم له قبل أن ءاذن) * موهما أن مسارعتهم للإيمان دليل على ميلهم إليه قبل. وبقوله: * (إنه لكبيركم) *، صرح بما رمزه أولا من مواطأتهم وتقصيرهم ليظهر أمر كبيرهم، وبقوله: * (فلسوف تعلمون) *، حيث أوعدهم وعيدا مطلقا، وبتصريحه بما هددهم به من العذاب، فأجابوا بأن ذلك إن وقع، لن يضير، وفي قولهم: * (إنا إلى * ربك * منقلبون) *، نكتة شريفة، وهو أنهم آمنوا لا رغبة ولا رهبة، إنما قصدوا محض الوصول إلى مرضات الله والاستغراق في أنوار معرفته. انتهى ملخصا. ويدفع هذا الأخير قولهم: * (إنا نطمع) * إلى آخره، ولا يكون ذلك إلا من خوف تبعات الخطايا. والظاهر بقاء الطمع على بابه كقوله: * (ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين) *. وقيل: يحتمل اليقين. قيل: كقول إبراهيم عليه السلام: * (والذى أطمع) *.
وقرأ الجمهور: * (أن كنا) *، بفتح الهمزة، وفيه الجزم بإيمانهم. وقرأ أبان بن تغلب، وأبو معاذ: إن كنا، بكسر الهمزة. قال صاحب اللوامح على الشرط: وجاز حذف الفاء من الجواب، لأنه متقدم، وتقديره: * (أن كنا أول المؤمنين) * فإنا نطمع، وحسن الشرط لأنهم لم يتحققوا ما لهم عند الله من قبول الإيمان. انتهى. وهذا التخريج على مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد، حيث يجيزون تقديم جواب الشرط عليه، ومذهب جمهور البصريين أن ذلك لا يجوز، وجواب مثل هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقال الزمخشري: هو من الشرط الذي يجيء به المدلول بأمره المتحقق لصحته، وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين. ونظيره قول العامل لمن يؤخر. جعله إن كنت عملت فوفني حقي، ومنه قوله تعالى: * (إن كنتم خرجتم جهادا فى سبيلى وابتغاء مرضاتى) *، مع علمه أنهم لم يخرجوا إلا لذلك. وقال ابن عطية بمعنى: أن طمعهم إنما هو بهذا الشرط. انتهى. ويحتمل أن تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وجاز حذف اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون، فلا يحتمل النفي، والتقدير: إن كنا لأول المؤمنين. وجاء في الحديث: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحب العسل)، أي ليحب. وقال الشاعر:
* ونحن أباة الضيم من آل مالك * وإن مالك كانت كرام المعادن أي: وإن مالك لكانت كرام المعادن، وأول يعني أول المؤمنين من القبط، أو أول المؤمنين من حاضري ذلك