المعنى قوله قبل * (فلا كفران لسعيه) * أي يتقبل عمله ثم ذكر هذا عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله.
وقال أبو مسلم بن بحر * (حرام) * ممتنع و * (أنهم لا يرجعون) * انتقام الرجوع إلى الآخرة، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع فالمعنى أنه يجب رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة ويكون الغرض إنكار قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة. وقيل: الحرام يجيء بمعنى الواجب يدل عليه * (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم * أن لا * تشركوا) * وترك الشرك واجب. وقالت الخنساء:
* حرام علي أن لا أرى الدهر باكيا * على شجوه إلا بكيت على صخر * وأيضا فمن الاستعمال إطلاق الضمير على ضده، وعلى هذا فقال مجاهد والحسن * (لا يرجعون) * عن الشرك. وقال قتادة ومقاتل إلى الدنيا. قال ابن عطية: ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بين وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين * (أنهم لا يرجعون) * بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه، فيكون لا على بابها والحرام على بابه. وكذلك الحرم فتأمله انتهى.
و * (حتى) * قال أبو البقاء متعلقة في المعنى بحرام أي يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ولا عمل لها في * (إذا) *. وقال الحوفي * (حتى) * غاية، والعمل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك. وقال الزمخشري: فإن قلت: بم تعلقت * (حتى) * واقعة غاية له وأية الثلاث هي؟ قلت: هي متعلقة بحرام، وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة، وهي * (حتى) * التي تحكي الكلام، والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني إذا وما في حيزها انتهى.
وقال ابن عطية: هي متعلقة بقوله * (وتقطعوا) * ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق بيرجعون، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب * (إذ) * لأنها تقتضي جوابا هو المقصود ذكره انتهى. وكون * (حتى) * متعلقة فيه بعد من حيث ذكر الفصل لكنه من جهة المعنى جيد، وهو أنهم لا يزالون مختلفين غير مجتمعين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك الاختلاف وعلم الجميع أن مولاهم الحق وأن الدين المنجي هو كان دين التوحيد. وجواب * (إذا) * محذوف تقديره * (قالوا يأبانا) * قاله الزجاج وجماعة أو تقديره، فحينئذ يبعثون * (الحق فإذا هى شاخصة) *.
أو مذكور وهو واقترب على زيادة الواو قاله بعضهم، وهو مذهب الكوفيين وهم يجيزون زيادة الواو والفاء في فإذا هي قاله الحوفي. وقال الزمخشري: وإذا هي المفاجأة وهي تقع في المفاجآت سادة مسد الفاء لقوله تعالى * (إذا هم يقنطون) * فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط، فيتأكد ولو قيل * (إذا * هى شاخصة) * كان سديدا.
وقال ابن عطية: والذي أقول أن الجواب في قوله * (فإذا هى شاخصة) * وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه، وتقدم الخلاف في * (فتحت) * في الأنعام ووافق ابن عامر أبو جعفر وشيبة وكذا التي في الأنعام والقمر في تشديد التاء، والجمهور على التخفيف فيهن و * (فتحت يأجوج) * على حذف مضاف أي سد * (يأجوج ومأجوج) * وتقدم الخلاف في قراءة * (يأجوج ومأجوج) * والظاهر أن ضمير * (وهم) * عائد على * (يأجوج ومأجوج) * أي يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض. وقيل: الضمير للعالم ويدل عليه قراءة عبد الله وابن عباس من كل جدث بالثاء المثلثة وهو القبر. وقرئ