تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣١١
لا، قال فهل سماني لك؟ قال: لا، قال ههنا غيري من الأنبياء، فألح عليه فخرج * (مغاضبا) * للملك. وقول من قال * (مغاضبا) * لربه وحكى في المغاضبة لربه كيفيات يجب اطراحه إذ لا يناسب شيء منها منصب النبوة، وينبغي أن يتأول لمن قال ذلك من العلماء كالحسن والشعبي وابن جبير وغيرهم من التابعين، وابن مسعود من الصحابة بأن يكون معنى قولهم * (مغاضبا) * لربه أي لأجل ربه ودينه، واللام لام العلة لا اللام الموصلة للمفعول به. وقرأ أبو شرف مغضبا اسم مفعول.
* (فظن أن لن نقدر عليه) * أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة، وقيل: من القدرة بمعنى * (أن لن نقدر عليه) * الابتلاء. وقرأ الجمهور * (نقدر) * بنون العظمة مخففا. وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب بضم الياء وفتح الدال مخففا، وعيسى والحسن بالياء مفتوحة وكسر الدال، وعلي بن أبي طالب واليماني بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة، والزهري بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة.
* (فنادى فى الظلمات) * في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في سورة والصافات، وهناك نذكر قصته إن شاء الله تعالى وجمع * (الظلمات) * لشدة تكاثفها فكأنها ظلمة مع ظلمة. وقيل: ظلمات بطن الحوت والبحر والليل. وقيل: ابتلع حوته حوت آخر فصار في ظلمتي بطني الحوتين وظلمة البحر. وروي أن يونس سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر، و * (ءان) * في * (أن لا إلاه إلا أنت) * تفسيرية لأنه سبق * (فنادى) * وهو في معنى القول، ويجوز أن يكون التقدير بأنه فتكون مخففة من الثقيلة حصر الألوهية فيه تعالى ثم نزهه عن سمات النقص ثم أقر بما بعد ذلك.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم): (ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له). و * (الغم) * ما كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه. وقرأ الجمهور: * (ننجى) * مضارع أنجى، والجحدري مشددا مضارع نجى. وقرأ ابن عامر وأبو بكر نجى بنون مضمومة وجيم مشددة وياء ساكنة، وكذلك هي في مصحف الإمام ومصاحف الأمصار بنون واحدة، واختارها أبو عبيد لموافقة المصاحف فقال الزجاج والفارسي هي لحن. وقيل: هي مضارع أدغمت النون في الجيم ورد بأنه لا يجوز إدغام النون في الجيم التي هي فاء الفعل لاجتماع المثلين كما حذفت في قراءة من قرأ ونزل الملائكة يريد وننزل الملائكة، وعلى هذا أخرجها أبو الفتح. وقيل: هي فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله وسكنت الياء كما سكنها من قرأ وذر وإما بقي من الربا والمقام مقام الفاعل ضمير المصدر أي نجى، هو أي النجاء المؤمنين كقراءة أبي جعفر * (ليجزى قوما) * أي وليجزي هو أي الجزاء، وقد أجاز إقامة غير المفعول من مصدر أو ظرف مكان أو ظرف زمان أو مجرور الأخفش والكوفيون وأبو عبيد، وذلك مع وجود المفعول به وجاء السماع في إقامة المجرور مع وجود المفعول به نحو قوله:
* أتيح لي من العدا نذيرا * به وقيت الشر مستطيرا * وقال الأخفش: في المسائل ضرب الضرب الشديد زيدا، وضرب اليومان زيدا، وضرب مكانك زيدا وأعطى إعطاء حسن أخاك درهما مضروبا عبده زيدا. وقيل: ضمير المصدر أقيم مقام الفاعل و * (المؤمنين) * منصوب بإضمار فعل أي * (وكذالك) * هو أي النجاء * (وكذالك ننجى المؤمنين) * والمشهور عند البصريين أنه متى وجد المفعول به لم يقم غيره إلا أن صاحب اللباب حكى الخلاف في ذلك عن البصريين، وأن بعضهم أجاز ذلك.
* (لا تذرنى فردا) * أي وحيدا بلا وارث، سأل ربه أن يرزقه ولدا يرثه ثم رد أمره إلى الله فقال * (وأنت خير الوارثين) * أي إن لم ترزقني من يرثني فأنت خير وارث، وإصلاح زوجه بحسن خلقها، وكانت سيئة الخلق قاله عطاء ومحمد بن كعب وعون بن عبد الله. وقيل: إصلاحها للولادة بعد أن كانت عاقرا قاله قتادة. وقيل: إصلاحها رد شبابها إليه، والضمير في * (أنهم) * عائد على الأنبياء السابق ذكرهم أي إن ستجابتنا لهم في طلباتهم كان لمبادرتهم الخير ولدعائهم لنا.
* (رغبا ورهبا) * أي وقت الرغبة ووقت الرهبة، كما قال تعالى * (يحذر الاخرة ويرجوا * رحمة ربه) * وقيل: الضمير يعود على * (زكريا) * و * (زوجه
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»