تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٢٥
لفظ * (مرضعة) * دون مرضع لأنه أريد به الفعل لا النسب، بمعنى ذات رضاع. وكما قال الشاعر:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت بني بطنها هذا الضلال عن القصد، والظاهر أن ما في قوله * (عما أرضعت) * بمعنى الذي، والعائد محذوف أي أرضعته، ويقويه تعدي وضع إلى المفعول به في قوله * (حملها) * لا إلى المصدر. وقيل: ما مصدرية أي عن إرضاعها. وقال الزمخشري: المرضعة هي التي في حال الإرضاع تلقم ثديها الصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به. فقيل * (مرضعة) * ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة، وخص بعض نحاة الكوفة أم الصبي بمرضعة والمستأجرة بمرضع وهذا باطل بقول الشاعر:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت البيت فهذه * (مرضعة) * بالتاء وليست أما للذي ترضع. وقول الكوفيين إن الوصف الذي يختص بالمؤنث لا يحتاج فيه إلى التاء لأنها إنما جيء بها للفرق مردود بقول العرب مرضعة وحائضة وطالقة.
وقرأ الجمهور * (تذهل كل) * بفتح التاء والهاء ورفع كل، وابن أبي عبلة واليماني بضم التاء وكسر الهاء أي * (تذهل) * الزلزلة أو الساعة كل بالنصب، والحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة. وقرأ الجمهور * (وترى) * بالتاء مفتوحة خطاب المفرد وزيد بن علي بضم التاء وكسر الراء أي وترى الزلزلة أو الساعة. وقرأ الزعفراني وعباس في اختياره بضم التاء وفتح الراء، ورفع * (الناس) * وأنث على تأويل الجماعة. وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وأبو نهيك كذلك إلا أنهم نصبوا * (الناس) * دى * (ترى) * إلى مفاعيل ثلاثة أحدها الضمير المستكن في * (ترى) * وهو ضمير المخاطب مفعول لم يسم فاعله، والثاني والثالث * (الناس سكارى) * أثبت أنهم * (سكارى) * على طريق التشبيه ثم نفى عنهم الحقيقة وهي السكر من الخمر، وذلك لما هم فيه من الحيرة وتخليط العقل.
وقرأ الجمهور * (سكارى) * فيهما على وزن فعالى وتقدم ذكر الخلاف في فعالى بضم الفاء أهو جمع أو اسم جمع. وقرأ أبو هريرة وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما وهو جمع تكسير واحده سكران. وقال أبو حاتم: هي لغة تميم. وقرأ الأخوان وابن سعدان ومسعود بن صالح سكرى فيهما، ورويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم) رواها عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وهي قراءة عبد الله وأصحابه وحذيفة. وقال سيبويه: وقوم يقولون سكرى جعلوه مثل مرضى لأنهما شيئان يدخلان على الإنسان، ثم جعلوا روبي مثل سكرى وهم المستثقلون نوما من شرب الرائب. قال أبو علي الفارسي: ويصح أن يكون جمع سكر كزمنى وزمن، وقد حكى سيبويه: رجل سكر بمعنى سكران فيجيء سكرى حينئذ لتأنيث الجمع. وقرأ الحسن والأعرج وأبو زرعة وابن جبير والأعمش سكرى بضم السين فيهما. قال أبو الفتح: هو اسم مفرد كالبشرى وبهذا أفتاني أبو علي انتهى. وقال الزمخشري: هو غريب. وقال أبو الفضل الرازي: فعلى بضم الفاء من صفة الواحدة من الإناث لكنها لما جعلت من صفات الناس وهم جماعة أجريت الجماعة بمنزلة المؤنث الموحد انتهى. وعن أبي زرعة أيضا سكرى بفتح السين بسكرى بضمها. وعن ابن جبير أيضا سكرى بالفتح من غير ألف * (بسكارى) * بالضم
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»