تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣١٧
جثا على ركبتيه و * (الفزع الاكبر) * عام في كل هول يكون في يوم القيامة فكان يوم القيامة بجملته هو * (الفزع الاكبر) * وإن خصص بشيء فيجب أن يقصد لا عظم هو له انتهى. وقيل: * (الفزع الاكبر) * وقوع طبق جهنم عليها قاله الضحاك. وقيل: النفخة الأخيرة. وقيل: الأمر بأهل النار إلى النار، روي عن ابن جبير وابن جريج والحسن. وقيل: ذبح الموت. وقيل: إذا نودي * (اخسئوا فيها ولا تكلمون) * وقيل * (يوم نطوى السماء) * ذكره مكي.
* (وتتلقاهم الملئكة) * بالسلام عليهم. وعن ابن عباس: تلقاهم الملائكة بالرحمة عند خروجهم من القبور قائلين لهم * (هاذا يومكم الذى كنتم توعدون) * بالكرامة والثواب والنعيم. وقرأ أبو جعفر * (لا يحزنهم) * مضارع أحزن وهي لغة تميم، وحزن لغة قريش، والعامل في * (يوم لا) * و * (* تتلقاهم) * وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلا من العائد المحذوف في * (كنتم توعدون) * فالعامل فيه * (توعدون) * أي أيوعدونه أو مفعولا باذكر أو منصوبا بأعني. وأجاز الزمخشري أن يكون العامل فيه * (الفزع) * وليس بجائز لأن * (الفزع) * مصدر وقد وصف قبل أخذ معموله فلا يجوز ما ذكر.
وقرأ الجمهور * (نطوى) * بنون العظمة. وفرقة منهم شيبة بن نصاح يطوي بياء أي الله، وأبو جعفر وفرقة بالتاء مضمومة وفتح الواو و * (السماء) * رفعا والجمهور * (السجل) * على وزن الطمر. وأبو هريرة وصاحبه وأبو زرعة بن عمرو بن جرير بضمتين وشد اللام، والأعمش وطلحة وأبو السماك * (السجل) * بفتح السين والحسن وعيسى بكسرهما، والجيم في هاتين القراءتين ساكنة واللام مخففة. وقال أبو عمر: وقراءة أهل مكة مثل قراءة الحسن. وقال مجاهد * (السجل) * الصحيفة. وقيل: هو مخصوص من الصحف بصحيفة العهد، والمعنى طيا مثل طي السجل، وطي مصدر مضاف إلى المفعول، أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة، والأصل * (* كثي) * الطاوي * (كطى السجل) * فحذف الفاعل وحذفه يجوز مع المصدر المنحل لحرف مصدري، والفعل، وقدره الزمخشري مبنيا للمفعول أي كما يطوى السجل. وقال ابن عباس وجماعة * (السجل) * ملك يطوى كتب بني آدم إذا رفعت إليه. وقالت فرقة: هو كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، وعلى هذين القولين يكون المصدر مضافا للفاعل. وقال أبو الفضل الرازي: الأصح أنه فارسي معرب انتهى. وقيل: أصله من المساجلة وهي من * (السجل) * وهو الدلو ملأى ماء. وقال الزجاج: هو رجل بلسان الحبش.
وقرأ الجمهور: للكتاب مفردا وحمزة والكسائي وحفص * (للكتب) * جمعا وسكن التاء الأعمش. وقال الزمخشري: * (أول خلق) * مفعول نعيد الذي يفسره * (نعيده) * والكاف مكفوفة بما، والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء فإن قلت: وما أول الخلق حتى يعيده كما بدأه قلت: أو له إيجاده من العدم، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت: ما بال خلق منكرا؟ قلت: هو كقولك: هو أول رجل جائني تريد أول الرجال، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا فكذلك معنى * (أول خلق) * أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع ووجه آخر، وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره نعيده وما موصولة، أي نعيد مثل الذي بدأناه * (نعيده) * و * (أول خلق) * ظرف لبدأناه أي أول ما خلق أو حال من ضمير الموصول الساقط من اللفظ الثابت في المعنى انتهى. والظاهر أن الكاف ليست مكفوفة كما ذكر بل هي جارة وما بعدها مصدرية ينسبك منها مع الفعل مصدر هو في موضع جر بالكاف. و * (أول خلق) * مفعول * (بدأنا) * والمعنى نعيد أول خلق إعادة مثل بدأتنا له، أي كما أبرزناه من العدم إلى الوجود نعيده من العدم إلى الوجود. في ما قدره الزمخشري تهيئة * (بدأنا) * لأن ينصب * (أول خلق) * على المفعولية. وقطعه عنه من غير ضرورة
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»