معصف ومعصفة، ووصفت هذه الريح بالعصف وبالرخاء والعصف الشدة في السير والرخاء اللين. فقيل: كان ذلك بالنسبة إلى الوقت الذي يريد فيه سليمان أحد الوصفين فلم يتحد الزمان. وقيل: الجمع بين الوصفين كونها رخاء في نفسها طيبة كالنسيم عاصفة في عملها تبعد في مدة يسيرة كما قال تعالى * (غدوها شهر ورواحها شهر) *. وقيل: الرخاء في البداءة والعصف بعد ذلك في التقول على عادة البشر في الإسراع إلى الوطن، وهذا القول راجع إلى اختلاف الزمان وجريها بأمره طاعتها له على حسب ما يريد، ويأمر.
و * (الارض) * أرض الشام وكانت مسكنه ومقر ملكه. وقيل: أرض فلسطين. وقيل: بيت المقدس. قال الكلبي كان يركب عليها من إصطخر إلى الشام. قيل: ويحتمل أن تكون * (الارض) * التي يسير إليها سليمان كائنة ما كانت ووصفت بالبركة لأنه هذا حل أرضا أصلحها بقتل كفارها وإثبات الإيمان فيها وبث العدل، ولا بركة أعظم من هذا. والظاهر: أن * (التى باركنا) * صفة للأرض. وقال منذر بن سعيد: الكلام تام عند قوله * (إلى الارض) * و * (التى باركنا فيها) * صفة للربح ففي الآية تقديم وتأخير، يعني إن أصل التركيب ولسليمان الريح * (التى باركنا فيها) * عاصفة تجري بأمره * (إلى الارض) *. وعن وهب: كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره، وكان لا يقعد عن الغزو فيأمر بخشب فيمد والناس عليه والدواب وآلة الحرب، ثم يأمر العاصف فيقله ثم يأمر الرخاء فتمر به شهرا في رواحة وشهرا في غدوه وعن مقاتل: نسجت له الشياطين بساطا ذهبا في إبريسم فرسخا في فرسخ، ووضعت له في وسطه منبرا من ذهب يقعد عليه وحوله كراسي من ذهب يقعد عليها الأنبياء، وكراسي من فضة يقعد عليها العلماء، وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين، والطير تظله من الشمس، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ومن الرواح إلى الصباح، وقد أكثر الأخباريون في ملك سليمان ولا ينبغي أن يعتمد إلا على ما قصه الله في كتابه وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولما كانت هذه الاختصاصات في غاية الغرابة من المعهود، أخبر تعالى أن علمه محيط بالأشياء يجريها على ما سبق به علمه، ولما ذكر تعالى تسخير الريح له وهي جسم شفاف لا يعقل وهي لا تدرك بالبصر ذكر تسخير الشياطين له، وهم أجسام لطيفة تعقل والجامع بينهما أيضا سرعة الانتقال ألا ترى إلى قوله * (قال عفريت من الجن أنا ءاتيك به قبل أن تقوم من مقامك) * * (ومن) * في موضع نصب أي وسخرنا * (من * الشياطين من يغوصون) * أو في موضع رفع على الابتداء، والخبر في الجار والمجرور قبله. والظاهر أن * (من) * موصولة. وقال أبو البقاء: هي نكرة موصوفة، وجمع الضمير في * (يغوصون) * حملا على معنى * (من) * وحسن ذلك تقدم جمع قبله كما قال الشاعر:
* وإن من النسوان من هي روضة * يهيج الرياض قبلها وتصوح * لما تقدم لفظ النسوان حمل على معنى من فأنث، ولم يقل من هو روضة والمعنى * (يغوصون) * له في البحار لاستخراج اللآلىء، ودل الغوص على المغاص فيه وعلى ما يغاص لاستخراجه وهو الجوهر، فلذلك لم يذكر أو قال له أي لسليمان لأن الغائص قد يغوص لنفسه ولغيره، فذكر أن الغوص ليس لأنفسهم إنما هو لأجل سليمان وامتثالهم أمره والإشارة بذلك إلى الغوص أي دون الغوص من بناء المدائن والقصور كما قال * (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل) * الآية. وقيل: الحمام والنورة والطاحون والقوارير والصابون من استخراجهم.
* (وكنا لهم حافظين) * أي من أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يغيروا أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه. وقيل