تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣١٢
وابنهما يحيى. وقرأت فرقة يدعونا حذفت نون الرفع وطلحة بنون مشددة أدغم نون الرفع في نا ضمير النصب. وقرأ ابن وثاب والأعمش ووهب بن عمرو والنحوي وهارون وأبو معمر والأصمعي واللؤلؤي ويونس وأبو زيد سبعتهم عن أبي عمر و * (رغبا) * ورهبا) * بالفتح وإسكان الهاء، والأشهر عن الأعمش بضمتين فيهما. وقرأ فرقة: بضم الراءين وسكون الغين والهاء، وانتصب * (*) * بالفتح وإسكان الهاء، والأشهر عن الأعمش بضمتين فيهما. وقرأ فرقة: بضم الراءين وسكون الغين والهاء، وانتصب * (رغبا ورهبا) * على أنهما مصدران في موضع الحال أو مفعول من أجله.
* (والتى أحصنت فرجها) * هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام، والظاهر أن الفرج هنا حياء المرأة أحصنته أي منعته من الحلال والحرام كما قالت * (ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) *. وقيل: الفرج هنا جيب قميصها منعته من جبريل لما قرب منها لينفخ حيث لم يعرف، والظاهر أن قوله * (فنفخنا فيها من روحنا) * كناية عن إيجاد عيسى حيا في بطنها، ولا نفخ هناك حقيقة، وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف. وقيل: هناك نفخ حقيقة وهو أن جبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها وأسند النفخ إليه تعالى لما كان ذلك من جبريل بأمره تعالى تشريفا. وقيل: الروح هنا جبريل كما قال * (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها) * والمعنى * (فنفخنا فيها) * من جهة جبريل وكان جبريل قد نفخ من جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها.
قال الزمخشري: فإن قلت: نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال الله تعالى * (فإذا سويته ونفخت فيه من روحى) * أي أحييته، وإذا ثبت ذلك كان قوله * (فنفخنا فيها من روحنا) * ظاهر الإشكال لأنه يدل على إحياء مريم. قلت: معناه نفخنا الروح في عيسى فيها أي أحييناه في جوفها، ونحو ذلك أن يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي نفخت في المزمار في بيته انتهى. ولا إشكال في ذلك لأنه على حذف مضاف أي * (فنفخنا فيه) * ابنها * (من روحنا) * وقوله قلت معناه نفخنا الروح في عيسى فيها استعمل نفخ متعديا، والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديه إلى جماع وغير متعد استعمله هو في قوله أي نفخت في المزمار في بيته انتهى. ولا إشكال في ذلك. وأفرد * (ءاية) * لأن حالهما لمجموعهما آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل، وإن كان في مريم آيات وفي عيسى آيات لكنه هنا لحظ أمر الولادة من غير ذكر، وذلك هو آية واحدة وقوله * (للعالمين) * أي لمن اعتبر بها من عالمي زمانها فمن بعدهم، ودل ذكر مريم مع الأنبياء في هذه السورة على أنها كانت نبية إذ قرنت معهم في الذكر، ومن منع تنبؤ النساء قال ذكرت لأجل عيسى وناسب ذكرهما هنا قصة زكريا وزوجه ويحيى للقرابة التي بينهم.
* (إن هاذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون * وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون * فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه * له كاتبون * وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون * حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا فى غفلة من هاذا بل كنا ظالمين * إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء ءالهة ما وردوها وكل فيها خالدون * لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) *.
والظاهر أن قوله * (أمتكم) * خطاب لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم) و * (هاذه) * إشارة إلى ملة الإسلام، أي إن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها ملة واحدة غير مختلفة، ويحتمل أن تكون * (هاذه) * إشارة إلى الطريقة التي كان عليها الأنبياء المذكورون من توحيد الله تعالى هي طريقتكم وملتكم طريقة واحدة لا اختلاف فيها في أصول العقائد، بل ما جاء به الأنبياء من ذلك هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم). وقيل: معنى * (أمة واحدة) * مخلوقة له تعالى مملوكة له، فالمراد بالأمة الناس كلهم. وقيل: الكلام يحتمل أن يكون متصلا بقصة مريم وابنها أي * (وجعلناها وابنها ءاية للعالمين) * بأن بعث لهم بملة وكتاب، وقيل لهم * (إن هاذه أمتكم) * أي دعا الجميع إلى الإيمان بالله وعبادته.
ثم أخبر تعالى أنهم بعد ذلك اختلفوا * (وتقطعوا أمرهم) * وقرأ الجمهور * (أمتكم) * بالرفع خبر * (ءان * أمة واحدة) * بالنصب على الحال، وقيل بدل
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»