تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣١٦
وقرأ أبي وعلي وعائشة وابن الزبير وزيد بن علي حطب بالطاء، وجمع الكفار مع معبوداتهم في النار لزيادة غمهم وحسرتهم برؤيتهم معهم فيها إذ عذبوا بسببهم، وكانوا يرجون الخير بعبادتهم فحصل لهم الشر من قبلهم ولأنهم صاروا لهم أعداء ورؤية العدو مما يزيد في العذاب. كما قال الشاعر:
* واحتمال الأذى ورؤية جابيه * غذاء تضنى به الأجسام * * (أنتم لها) * إي للنار * (واردون) * الورود هنا ورود دخول * (لو كان هؤلاء) * أي الأصنام التي تعبدونها * (ما وردوها وكل) * أي ما دخلوها ودل على أنه ورود دخول قوله * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * وقرأ الجمهور * (ءالهة) * بالنصب على خبر * (كان) *. وقرأ طلحة بالرفع على أن في * (كان) * ضمير الشأن * (وكل فيها) * أي كل من العابدين ومعبوداتهم.
* (لهم فيها زفير) * وهو صوت نفس المغموم يخرج من القلب، والظاهر أن الزفير إنما يكون ممن تقوم به الحياة وهم العابدون والمعبودون ممن كان يدعي الإلهية كفرعون وكغلاة الإسماعيلية الذين كانوا ملوك مصر من بني عبيد الله أول ملوكهم، ويجوز أن يجعل الله للأصنام التي عبدت حياة فيكون لها زفير. وقال الزمخشري: إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم فيها إن لم يكن الزافرين إلا وهم فيها * (لا يسمعون) * وروي عن ابن مسعود أنهم يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون وقال تعالى * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) * وفي سماع الأشياء روح فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل * (لا يسمعون) * ما يسرهم من كلام الزبانية.
* (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم * فيما * اشتهت * أنفسهم خالدون * لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقاهم الملئكة هاذا يومكم الذى كنتم توعدون * يوم نطوى السماء كطى السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين * ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادى الصالحون * إن فى هاذا لبلاغا لقوم عابدين * وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين * قل إنما يوحى إلى أنما إلاهكم إلاه واحد فهل أنتم مسلمون * فإن تولوا فقل ءاذنتكم على سواء وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون * إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون * وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين * قال رب احكم بالحق وربنا الرحمان المستعان على ما تصفون) *.
سبب نزول * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * قول ابن الزبعري حين سمع * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) * قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم): قد خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزيرا والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال صلى الله عليه وسلم): (هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك) فأنزل الله تعالى: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) *. وقيل: لما اعترض ابن الزبعري قيل لهم: ألستم قوما عربا أو ما تعلمون أن من لمن يعقل وما لما لا يعقل، فعلى القول الأول يكون ابن الزبعري قد فهم من قوله * (وما تعبدون) * العموم فلذلك نزل قوله * (إن الذين سبقت لهم) * الآية تخصيصا لذلك العموم، وعلى هذا القول الثاني يكون ابن الزبعري رام مغالطة، فأجيب بأن من لمن يعقل وما لما لا يعقل فبطل اعتراضه.
* (* والحسنى) * الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن، إما السعادة وإما البشرى بالثواب، وإما التوفيق للطاعة. والظاهر من قوله * (عنها مبعدون) * فما بعده أن من سبقت له الحسنى لا يدخل النار. وروي أن عليا كرم الله وجهه قرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه وهو يقول * (لا يسمعون حسيسها) * والحسيس الصوت الذي يحس من حركة الأجرام، وهذا الإبعاد وانتفاء سماع صوتها قيل هو قبل دخول الجنة. وقيل: بعد دخولهم واستقرارهم فيها، والشهوة طلب النفس اللذة.
وقال ابن عطية: وهذه صفة لهم بعد دخولهم الجنة لأن الحديث يقتضي أنه في الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبي ولا ملك إلا
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»