تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣١٨
تدعو إلى ذلك وارتكاب إضمار يعيد مفسرا بنعيده وهذه عجمة في كتاب الله، وما قوله: ووجه آخر وهو أن ينتصب الكاف بفعل مضمر يفسره * (نعيده) * فهو ضعيف جدا لأنه مبني على أن الكاف اسم لا حرف، فليس مذهب الجمهور إنما ذهب إلى ذلك الأخفش وكونها اسما عند البصريين غير مخصوص بالشعر. وقال ابن عطية: يحتمل معنيين أحدهما: أن يكون خبرا عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولا على غير مثال كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور. والثاني أن يكون خبرا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ويؤيده (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا) * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * وقوله * (كما بدأنا) * الكاف متعلقة بقوله * (نعيده) * انتهى.
وانتصب * (وعدا) * على أنه مفعول مصدر مؤكدا لمضمون الجملة الخبرية قبله * (إنا كنا فاعلين) * تأكيد لتحتم الخبر أي نحن قادرون على أن نفعل و * (الزبور) * الظاهر أنه زبور داود وقاله الشعبي، ومعنى هذه الآية موجود في زبور داودوقرأناه فيه و * (الذكر) * التوراة قاله ابن عباس. وقيل * (الزبور) * ما بعد التوراة من الكتب و * (الذكر) * التوراة وقيل * (الزبور) * يعم الكتب المنزلة و * (الذكر) * اللوح المحفوظ. * (الارض) * قال ابن عباس أرض الجنة. وقيل: الأرض المقدسة * (يرثها) * أمة محمد صلى الله عليه وسلم).
والإشارة في قوله * (إن فى هاذا) * أي المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة لبلاغا كفاية يبلغ بها إلى الخير. وقيل: الإشارة إلى القرآن جملة، وكونه عليه السلام رحمة لكونه جاءهم بما يسعدهم.
* (* وللعالمين) * قيل خاص بمن آمن به. وقيل: عام وكونه * (منه رحمة) * للكافر حيث أخر عقوبته، ولم يستأصل الكفار بالعذاب قال معناه ابن عباس. قال: عوفي مما أصاب غيرهم من الأمم من مسخ وخسف وغرق وقذف وأخر أمره إلى الآخرة. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون معناه * (وما أرسلناك) * للعالمين * (إلا رحمة) * أي هو رحمة في نفسه وهدى بين أخذ به من أخذ وأعرض عنه من أعرض انتهى. ولا يجوز على المشهور أن يتعلق الجار بعد * (إلا) * بالفعل قبلها إلا أن كان العامل مفرغا له نحو ما مررت إلا بزيد. وقال الزمخشري: إنما تقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك: إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وقد اجتمع المثلان في هذه الآية لأن * (إنما يوحى إلى) * مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و * (أنما إلاهكم إلاه واحد) * بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم) مقصور على استئثار الله بالوحدانية انتهى.
وأما ما ذكره في * (إنما) * إنها لقصر ما ذكر فهو مبني على إنما للحصر وقد قررنا أنها لا تكون للحصر، وإنما مع أن كهي مع كان ومع لعل، فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي فكذلك لا تفيده مع أن وأما جعله * (إنما) * المفتوحة الهمزة مثل مكسورتها يدل على القصر، فلا نعلم الخلاف إلا في * (إنما) * بالكسر، وأما بالفتح فحرف مصدري ينسبك منع مع ما بعدها مصدر، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة، ولو كانت إنما دالة على الحصر لزم أن يقال إنه لم يوح إليه شيء إلا التوحيد. وذلك لا يصح الحصر فيه إذ قد أوحى له أشياء غير التوحيد وفي الآية دليل على تظافر المنقول للمعقول وأن النقل أحد طريقي التوحيد، ويجوز في ما من * (إنما) * أن تكون موصولة.
* (فهل أنتم مسلمون) * استفهام يتضمن الأمر بإخلاص التوحيد والانقياد إلى الله تعالى * (ءاذنتكم) * أعلمتكم وتتضمن معنى التحذير والنذارة * (على سواء) * لم أخص أحدا دون أحد، وهذا الإيذان هو إعلام بما يحل بمن تولى من العقاب وغلبة الإسلام، ولكني لا أدري متى يكون ذلك و * (ءان) * نافية و * (أدرى) * معلقة والجملة الاستفهامية في موضع نصب بأدري، وتأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة إذ لو كان التركيب * (أقريب) * * (ما توعدون) * * (أم بعيد) * لم تكن فاصلة وكثيرا ما يرجح الحكم في الشيء لكونه فاصلة آخر آية. وعن ابن عامر في رواية * (وإن أدرى) * بفتح الياء في الآيتين تشبيها بياء الإضافة لفظا، وإن كانت لام الفعل ولا تفح إلا بعامل، وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء والمعنى أنه تعالى لم يعلمني علمه ولم يطلعني عليه، والله هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء.
* (وإن أدرى لعله فتنة) * أي لعل تأخير هذا الموعد امتحان لكم لننظر كيف تعملون، أو يمتنع لكم إلى حين ليكون ذلك حجة وليقع الموعد في وقت هو
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»