تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٢٨
ضروبا من الفتن، والفتنة المحنة وما يشق على الإنسان. وعن ابن عباس خلصناك من محنة بعد محنة. ولد في عام كان يقتل فيه الولدان، وألقته أمه في البحر وهم فرعون بقتله، وقتل قبطيا وآجر نفسه عشر سنين وضل الطريق وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة انتهى. وهذه الفتون اختبره بها وخلصه حتى صلح للنبوة وسلم لها والسنون التي لبثها في مدين عشر سنين. وقال وهب: ثمان وعشرون سنة منها مهر ابنته وبين مصر ومدين ثمان مراحل وفي الكلام حذف والتقدير * (الغم وفتناك فتونا) * فخرجت خائفا إلى * (أهل مدين) * فلبثت سنين وكان عمره حين ذهب إلى مدين اثني عشر عاما وأقام عشرة أعوام في رعي غنم شعيب، ثم ثمانية عشر عاما بعد بنائه بامرأته بنت شعيب، وولد له فيها فكمل له أربعون سنة وهي المدة التي عادة الله إرسال الأنبياء على رأسها.
* (ثم جئت) * إلى المكان الذي ناجيتك فيه وكلمتك واستنبأتك. * (على قدر) * أي وقت معين قدرته لم تتقدمه ولم تتأخر عنه. وقيل على مقدار من الزمان يوحى إلى الأنبياء فيه وهو الأربعون. وقال الشاعر:
* نال الخلافة أو جاءت على قدركما أتى ربه موسى على قدر * * (واصطنعتك لنفسى) * أي جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإكمال والإحسان، وأخلصتك بالألطاف واخترتك لمحبتي يقال: اصطنع فلان فلانا اتخذه صنيعة وهو افتعال من الصنع وهو الإحسان إلى الشخص حتى يضاف إليه فيقال هذا صنيع فلان. وقال الزمخشري: هذا تمثيل لما خوله من منزلة التقريب والتكريم والتكليم مثل حاله بحال من يراه الملوك بجميع خصال فيه وخصائص أهلا لأن يكون أقرب منزلة إليه وألطف محلا فيصطنعه بالكرامة والأثرة ويستخلصه لنفسه انتهى. ومعنى * (لنفسى) * أي لأوامري وإقامة حججي وتبليغ رسالتي، فحركاتك وسكناتك لي لا لنفسك ولا لأحد غيرك.
2 (* (اذهب أنت وأخوك بأاياتى ولا تنيا فى ذكرى * اذهبآ إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى * قالا ربنآ إننا نخاف أن يفرط علينآ أو أن يطغى * قال لا تخافآ إننى معكمآ أسمع وأرى * فأتياه فقولاإنا رسولا ربك فأرسل معنا بنىإسراءيل ولا تعذبهم قد جئناك بأاية من ربك والسلام على من اتبع الهدى * إنا قد أوحى إلينآ أن العذاب على من كذب وتولى * قال فمن ربكما ياموسى * قال ربنا الذىأعطى كل شىء خلقه ثم هدى * قال فما بال القرون الا ولى * قال علمها عند ربى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى * الذى جعل لكم الا رض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السمآء مآء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى * كلوا وارعوا أنعامكم إن فى ذالك لأيات لا ولى النهى * منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى * ولقد أريناه ءاياتنا كلها فكذب وأبى * قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى * فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»