تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٢٧
عليك محبة منى) *. قيل: محبة آسية وفرعون، وكان فرعون قد أحبه حبا شديدا حتى لا يتمالك أن يصبر عنه. قال ابن عباس: أحبه الله وحببه إلى خلقه. وقال عطية: جعلت عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه. وقال قتادة: كان في عينيه ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه. وقال ابن عطية: وأقوى الأقوال أنه القبول. وقال الزمخشري: * (مني) * لا يخلوا أن يتعلق بألقيت فيكون المعنى على أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب، وإما أن يتعلق بمحذوف هو صفة لمحبة أي محبة خالصة أو واقعة مني قد ركزتها أنا فيها في القلوب وزرعتها فيها، فلذلك أحبك فرعون وكل من أبصرك.
وقرأ الجمهور * (ولتصنع) * بكسر لام كي وضم التاء ونصب الفعل أي ولتربي ويحسن إليك. وأنا مراعيك وراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به. قال قريبا منه قتادة. وقال النحاس: يقال صنعت الفرس إذا أحسنت إليه وهو معطوف على علة محذوف أي ليتلطف بك * (ولتصنع) * أو متعلقة بفعل متأخر تقديره فعلت ذلك. وقرأ الحسن وأبو نهيك بفتح التاء. قال ثعلب: معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني. وقرأ شيبة وأبو جعفر في رواية بإسكان اللام والعين وضم التاء فعل أمر، وعن أبي جعفر كذلك إلا أنه كسر اللام.
* (إذ تمشى أختك) * قيل اسمها مريم سبب ذلك أن آسية عرضته للرضاع فلم يقبل امرأة، فجعلت تنادي عليه في المدينة ويطاف به ويعرض للمراضع فيأبى، وبقيت أمه بعد قذفه في اليم مغمومة فأمرت أخته بالتفتيش في المدينة لعلها تقع على خبره، فبصرت به في طوافها فقالت * (أنا * أدلكم على من يكفله * لكم وهم له ناصحون) * فتعلقوا بها وقالوا: أنت عرفين هذا الصبي؟ فقالت: لا، ولكن أعلم من أهل هذا البيت الحرص على التقرب إلى الملكة والجد في خدمتها ورضاها، فتركوها وسألوها الدلالة فجاءت بأم موسى فلما قربته شرب ثديها فسرت آسية وقالت لها: كوني معنى في القصر، فقالت: ما كنت لأدع بيتي وولدي ولكنه يكون عندي قالت: نعم، فأحسنت إلى أهل ذلك البيت غاية الإحسان واعتز بنو إسرائيل بهذا الرضاع والنسب من الملكة، ولما كمل رضاعه أرسلت آسية إليها أن جيئيني بولدي ليوم كذا، وأمرت خدمها ومن لها أن يلقينه بالتحف والهدايا واللباس، فوصل إليها على ذلك وهو بخير حال وأجمل شباب، فسرت به ودخلت به على فرعون ليراه وليهبه فأعجبه وقربه، فأخذ موسى بلحية فرعون وتقدم ما جرى له عند ذكر العقدة.
والعامل في * (إذا) * قال ابن عطية فعل مضمر تقديره ومننا إذ. وقال الزمخشري العامل في * (إذ تمشى) * * (* ألقيت) * أو تصنع، ويجوز أن يكون بدلا من * (أخرى إذ أوحينا) * فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل لقيت فلانا سنة كذا، فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك. وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها انتهى. وليس كما ذكر لأن السنة تقبل الاتساع فإذا وقع لقيهما فيها بخلاف هذين الطرفين فإن كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصصيهما بما أضيفا إليه فلا يمكن أن يقع الثاني في الطرف الذي وقع فيه الأول، إذ الأول ليس متسعا لوقوع الوحي فيه ووقوع مشي الأخت فليس وقت وقوع الوحي مشتملا على أجزاء وقع في بعضها المشي بخلاف السنة. وقال الحوفي: * (إذ) * متعلقة بتصنع، ولك أن تنصب * (إذ) * بفعل مضمر تقديره واذكر.
وقرأ الجمهور * (كى تقر) * بفتح التاء والقاف. وقرأت فرقة بكسر القاف، وتقدم أنهما لغتان في قوله * (وقرى عينا) *. وقرأ جناح بن حبيش بضم التاء وفتح القاف مبنيا للمفعول. و * (قتلت نفسا) * هو القبطي الذي استغاثه عليه الإسرائيلي قتله وهو ابن اثنتي عشرة سنة، واغتم بسبب القتل خوفا من عقاب الله ومن اقتصاص فرعون، فغفر الله له باستغفاره حين قال * (رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى) * ونجاه من فرعون حين هاجر به إلى مدين والغم ما يغم على القلب بسبب خوف أو فوات مقصود، والغم بلغة قريش القتل، وقيل: من غم التابوت. وقيل: من غم البحر، والظاهر أنه من غم القتل حين ذهبنا بك من مصر إلى مدين. والفتون مصدر جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجوز وبدور في حجزة وبدرة أي * (* فتناك) *
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»