الزمخشري قوله: من يرد يده إما أن يكون على لسان نبي في وقتها كقوله * (وإذا * أوحيت إلى الحواريين) * لأنه لم ينقل أنه كان في زمن فرعون، وكان في زمن الحواريين زكريا ويحيى. وفي قوله * (ما يوحى) * إبهام وإجمال كقوله * (إذ يغشى السدرة ما يغشى) * * (فغشيهم من اليم ما غشيهم) * وفيه تهويل وقد فسر هنا بقوله * (أن اقذفيه فى التابوت) *.
قال الزمخشري: و * (ءان) * هي المفسرة لأن الوحي بمعنى القول. وقال ابن عطية: و * (ءان) * في قوله * (أن اقذفيه) * بدل من ما يعني أن * (ءان) * مصدرية فلذلك كان لها موضع من الإعراب. والوجهان سائغان والظاهر أن * (التابوت) * كان من خشب. وقيل: من بردى شجر مؤمن آل فرعون سدت خروقه وفرشت فيه نطعا. وقيل: قطنا محلوجا وسدت فمه وجصصته وقيرته وألقته في * (أليم) * وهو اسم للبحر العذب. وقيل: اسم للنيل خاصة والأول هو الصواب كقوله * (فأغرقناهم في اليم) * ولم يغرقوا في النيل.
والظاهر أن الضمير في * (فاقذفيه فى اليم) * عائد على موسى، وكذلك الضميران بعده إذ هو المحدث عنه لا * (التابوت) * إنما ذكر * (التابوت) * على سبيل الوعاء والفضلة. وقال ابن عطية: والضمير الأول في * (* قذفيه) * عائد على موسى وفي الثاني عائد على * (فى التابوت) * ويجوز أن يعود على موسى. وقال الزمخشري: والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم فإن قلت: المقذوف في البحر هو التابوت وكذلك الملقى إلى الساحل قلت: ما ضرك لو قلت المقذوف والملقى هو موسى في جوف التابوت حتى لا تتفرق الضمائر فيتنافر عليك النظم الذي هو أم إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدي ومراعاته أهم ما يجب على المفسر انتهى.
ولقائل أن يقول أن الضمير إذا كان صالحا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد كان عوده على الأقرب راجحا، وقد نص النحويون على هذا فعوده على * (التابوت) * في قوله * (فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم) * راجح، والجواب أنه إذا كان أحدهما هو المحدث عنه والآخر فضلة كان عوده على المحدث عنه أرحج، ولا يلتفت إلى القرب ولهذا رددنا على أبي محمد بن حزم في دعواه أن الضمير في قوله * (فإنه رجس) * عائد على خنزير لا على لحم لكونه أقرب مذكور، فيحرم بذلك شحمه وغضروفه وعظمه وجلده بأن المحدث عنه هو لحم خنزير لا خنزير.
و * (فليلقه) * أمر معناه الخبر، وجاء بصيغة الأمر مبالغة إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها، ومنه قول النب: ي صلى الله عليه وسلم): (قوموا فلأصل لكم). أخرج الخبر في صيغة الأمر لنفسه مبالغة، ومن حيث خرج الفعل مخرج الأمر حسن جوابه كذلك وهو قوله * (يأخذه) *. وقال الزمخشري: لما كانت مشيئة الله وإرادته أن لا يخطئ جرية ماء اليم الوصول به إلى الساحل وإلقاءه إليه سلك في ذلك سبل المجاز، وجعل اليم كأنه ذو تمييز أمر بذلك ليطيع الأمر ويمتثل رسمه فقيل * (فليلقه اليم بالساحل) * انتهى. وقال الترمذي: إنما ذكره بلفظ الأمر لسابق علمه بوقوع المخبر به على ما أخبر به، فكأن البحر مأمور ممتثل للأمر. وقال الفراء: * (فاقذفيه فى اليم) * أمر وفيه معنى المجازاة أي اقذفيه يلقه اليم، والظاهر أن البحر ألقاه بالساحل فالتقطه منه.
وروي أن فرعون كان يشرب في موضع من النيل إذ رأى التابوت فأمر به فسيق إليه وامرأته معه ففتح قرأوه فرحمته امرأته وطلبته لتتخذه ابنا فأباح لها ذلك. وروي أن التابوت جاء في الماء إلى المشرعة التي كانت جواري امرأة فرعون يستقين منها الماء. فأخذت التابوت وجلبته إليها فأخرجته وأعلمته فرعون والعد والذي لله ولموسى هو فرعون، وأخبرت به أم موسى على طريق الإلهام ولذلك قالت لأخته * (قصيه) * وهي لا تدري أين استقر.
* (وألقيت