تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٣١
* (يتذكر) * حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخر ساجدا لله راغبا أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فرجا أن يتذكر حلم الله وكرمه وأن يحذر من عذاب الله. وقال الزمخشري: أي * (يتذكر) * ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذغان للحق * (أو يخشى) * أن يكون الأمر كما يصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة.
فرط سبق وتقدم ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة وفرس فرط تسبق الخيل انتهى. وقال الشاعر:
* واستعجلونا وكانوا من صحابتنا * كما تقدم فارط الوراد * وفي الحديث: (أنا فرطكم على الحوض). أي متقدمكم وسابقكم، والمعنى إننا نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها. وقرأ يحيى وأبو نوفل وابن محيصن في روايته * (أن يفرط) * مبنيا للمفعول أي يسبق في العقوبة ويسرع بها، ويجوز أن يكون من الإفراط ومجاوزة الحد في العقوبة خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعذاب من شيطان، أو من جبروته واستكباره وادعائه الربوبية، أو من حبه الرياسة، أو من قومه القبط المتمردين الذين قال الله فيهم * (قال الملا من قوم فرعون) * * (وقال الملا من قومه) *.
وقرأت فرقة والزعفراني عن ابن محيصن * (يفرط) * بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية * (أو أن يطغى) * في التخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي تجرئة عليك وقسوة قلبه، وفي المجيء به هكذا على سبيل الإطلاق والرمز باب من حسن الأدب والتجافي عن التفوه بالعظيمة.
والمعية هنا بالنصرة والعون أسمع أقوالكما وأرى أفعالكما. وقال ابن عباس * (أسمع) * جوابه لكما * (وأرى) * ما يفعل بكما وهما كناية عن العلم * (فأتياه) * كرر الأمر بالإتيان * (فقولا إنا رسولا ربك) * وخاطباه بقولهما * (ربك) * تحقيرا له وإعلاما أنه مربوب مملوك إذ كان هو يدعي الربوبية. وأمرا بدعوته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من ذل خدمة القبط وكانوا يعذبونهم بتكليف الأعمال الشاقة من الحفر والبناء ونقل الحجارة والسخرة في كل شيء مع قتل الولدان واستخدام النساء. وقد ذكر في غير هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان فجملة ما دعى إليه فرعون الإيمان وإرسال بني إسرائيل.
ثم ذكرا ما يدل على صدقهما في إرسالهما إليه فقالا * (قد جئناك بئاية من ربك) * وتكرر أيضا قولهما * (من ربك) * على سبيل التوكيد بأنه مربوب مقهور، والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد، ولما كانا مشتركين في الرسالة صح نسبة المجيء بالآية إليهما وإن كانت صادرة من أحدهما. وقال الزمخشري: * (قد جئناك بئاية من ربك) * جارية من الجملة الأولى وهي * (إنا رسولا ربك) * مجرى البيان والتفسير، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتها التي هي المجيء بالآية، وإنما وحد بآية ولم يثن ومعه آيتان لأن المراد في هذا الموضع تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال: قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة وكذلك * (قد جئتكم ببينة من ربكم) * * (ما أنت إلا بشر مثلنا فأت) * * (أو * لو * جئتك بشىء مبين) * انتهى. وقيل: الآية اليد. وقيل: العصا، والمعنى بآية تشهد لنا بأنا رسولا ربك. والظاهر أن قوله * (والسلام على من اتبع الهدى) * فصل للكلام، فالسلام بمعنى التحية رغبا به عنه وجريا على العادة في التسليم عند الفراغ من القول، فسلما على متبعي الهدى وفي هذا توبيخ له. وفي هذا المعنى استعمل الناس هذه الآية في مخاطباتهم ومحاوراتهم. وقيل: هو مدرج متصل بقوله * (إنا قد أوحى إلينا) * فيكون إذ ذاك خبرا بسلامة المهتدين من العذاب. وقيل * (على) * بمعنى اللام أي والسلامة * (لمن اتبعك * الهدى) *.
وقال الزمخشري: وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين، وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين انتهى. وهو تفسير غريب.
وقد يقال: السلام هنا السلامة من العذاب بدليل قوله * (إنا قد أوحى
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»