لما أمره تعالى بالذهاب إلى فرعون عرف أنه كلف أمرا عظيما يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح، فسأل ربه ورغب في أن يشرح صدره ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر، وأن يسهل عليه أمره للذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة جلائل الخطوب، وقد علم ما عليه فرعون من الجبروت والتمرد والتسلط. وقال ابن جريج: معناه وسع لي صدري لأعي عنك ما تودعه من وحيك. وقال الكرماني وسع قلبي ولينه لفهم خطابك وأداء رسالتك. والقيام بما كلفتنيه من أعبائها، والعقدة استعارة لثقل كان في لسانه خلقة.
وقال مجاهد: كانت من الجمرة التي أدخلها فاه وكانت آسية قد ألقى الله محبته في قلبها وسألت فرعون أن لا يذبحه، فبيناهي ترقصه يوما أخذه فرعون في حجره فأخذ خصلة من لحيته. وقيل: لطمه. وقيل: ضربه بقضيب كان في يده فغضب فرعون فدعاء بالسياف فقالت: إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر. فاحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فاحترق لسانه انتهى وإحراق النار وتأثيرها في لسانه لا في يده دليل على فساد قول القائلين بالطبيعة. وعن ابن عباس كانت في لسانه رثت. وقيل: حدثت العقدة بعد المناجاة حتى لا يكلم أحد بعدها. وقال قطرب: كانت فيه مسكة عن الكلام. وقال ابن عيسى: العقدة كالتمتمة والفأفأة. وطلب موسى من حل العقدة قدر ما يفقه قوله، قيل: وبقي بعضها لقوله وأخي هارون هو أفصح مني لسان وقوله ولا يكاد يبين. وقيل: زالت لقوله * (قد أوتيت سؤلك ياموسى * موسى) * وهو قول الحسن، قيل: وهو ضعيف لأنه لم يقل واحلل العقدة بل قال * (عقدة) * فإذا حل عقدة فقد آتاه الله سؤله. وقيل في قوله ولا يكاد يبين أن معناه لا يأتي ببيان وحجة، وإنما قال ذلك فرعون تمويها وقد خاطبه وقومه وكانوا يفهمون عنه فكيف يمكن نفي البيان أو مقاربته؟.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لي في قوله * (اشرح لى صدرى * ويسر لى أمرى) * ما جدواه والكلام بدون مستتب؟ قلت: قد أبهم الكلام أولا فقال * (اشرح لى) * * (ويسر لى) * فعلم أن ثم مشروحا وميسرا ثم بين ورفع الإبهام فذكرهما فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره، وأمره من أن يقول اشرح صدري ويسر أمري على الإيضاح الشارح لأنه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل. وقال أيضا: وفي تنكير العقدة وإن لم يقل * (واحلل عقدة) * * (لسانى) * أنه طلب حل بعضها إرادة أن يفهم عنه فهما جيدا ولم يطلب الفصاحة الكاملة، و * (من لسانى) * صفة للعقدة كأنه قيل * (عقدة من) * عقد * (لسانى) * انتهى. ويظهر أن * (من لسانى) * متعلق باحلل لأن موضع الصفة لعقدة وكذا قال الحوفي. وأجاز أبو البقاء الوجهين والوزير المعين القائم بوزر الأمور أي بثقلها فوزير الملك يتحمل عنه أوزاره ومؤنه. وقيل: من الوزر وهو الملجأ يلتجىء إليه الإنسان. وقال الشاعر:
* من السباع الضواري دونه وزر * والناس شرهم ما دونه وزر * * كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع * وما نرى بشرا لم يؤذهم بشر فالملك يعتصم برأيه ويلتجىء إليه في أموره. وقال الأصمعي: هو من المؤازرة وهي المعاونة والمساعدة،