تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٣٩
سيدهم، وعن علي نحو ذلك قال: وتصرفات وجوه الناس هليهما. وقيل: هو على حذف مضاف أي * (ويذهبا) * بأهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل لقول موسى * (أرسل معنا بنى إسراءيل) * بالغوا في التنفيرعنهما بنسبتهما إلى السحر، وبالطبع ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر ثم بإرادة الإخراج من أرضهم ثم بتغيير حالتهم من المناصب والرتب المرغوب فيها.
وحكى تعالى عنهم في متابعة فرعون في قوله * (فجمع كيده) * قوله * (فأجمعوا كيدكم) * وقيل: هو من كلام فرعون، والظاهر أنه من كلام السحرة بعضهم لبعض. وقرأ الجمهور * (فأجمعوا) * بقطع الهمزة وكسر الميم من أجمع رباعيا أي اعزموا واجعلوه مجمعا عليه حتى لا تختلفوا ولا يتخلف واحد منكم المسألة المجمع عليها. وقرأ الزهري وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب في رواية وأبو حاتم بوصل الألف وفتح الميم موافقا لقوله * (فتولى فرعون فجمع كيده) * وتقدم الكلام في جمع وأجمع في سورة يونس في قصة نوح عليه السلام.
وتداعوا إلى الإتيان * (صفا) * لأنه أهيب في عيون الرائين، وأظهر في التمويه وانتصب * (صفا) * على الحال أي مصطفين أو مفعولا به إذ هو المكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم. وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه ثم ايتوا بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء تخفيفا. قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم. وقال صاحب اللوامح: وذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في العامة كذلك * (وقد أفلح اليوم) * أي ظفر وفاز ببغيته من طلب العلو في أمره وسعى سعيه، واختلفوا في عدد السحرة اختلافا مضطربا جدا فأقل ما قيل أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحرا مع كل ساحر عصي وحبال، وأكثر ما قيل تسعمائة ألف.
2 (* (قالوا ياموسى إمآ أن تلقى وإمآ أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس فى نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الا على * وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى * فألقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى * قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فى جذوع النخل ولتعلمن أينآ أشد عذابا وأبقى * قالوا لن نؤثرك على ما جآءنا من البينات والذى فطرنا فاقض مآ أنت قاض إنما تقضى هاذه الحيواة الدنيآ * إنآ آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ومآ أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى * إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى * ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولائك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذالك جزآء من تزكى * ولقد أوحينآ إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم * وأضل فرعون قومه وما هدى * يابنى إسراءيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الا يمن ونزلنا عليكم المن والسلوى * كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى * وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى * ومآ أعجلك عن قومك ياموسى * قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك رب لترضى * قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى * فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدى * قالوا مآ أخلفنا موعدك بملكنا ولاكنا حملنآ أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامرى * فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هاذآ إلاهكم وإلاه موسى فنسى * أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا * ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمان فاتبعونى وأطيعوا أمرى) *)) 2 * (قالوا يأبانا * موسى إماما * أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس فى نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى * فألقى السحرة سجدا قالوا امنا برب هارون * قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولاصلبنكم فى جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا) *.
في الكلام حذف تقديره فجاؤوا مصطفين إلى مكان الموعد، وبيد كل واحد منهم عصا وحبل، وجاء موسى وأخوه ومعه عصاه فوقفوا و * (قالوا يأبانا * موسى إماما * أن تلقى) * وذكروا الإلقاء لأنهم علموا أن آية موسى في إلقاء العصا. قيل: خيروه ثقة منهم بالغلب لموسى، وكانوا يعتقدون أن أحدا لا يقاومهم في السحر. وقال الزمخشري: وهذا التخيير منهم
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»