تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٢٣
جعلناها * (ءاية) * أو آتيناك * (ءاية) *.
واللام في * (لنريك) * قال الحوفي متعلقة باضمم، ويجوز أن تتعلق بتخرج. وقال أبو البقاء: تتعلق بهذا المحذوف يعني المقدر جعلناها أو آتيناك، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه * (ءاية) * أي دللنا بها * (لنريك) *. وقال الزمخشري: * (لنريك) * أي خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض * (الكبرى اذهب) * أو * (لنريك) * بهما * (الكبرى) * من * (ءاياتنا) * أو * (لنريك من ءاياتنا الكبرى) * فعلنا ذلك، وتهنى أنه جاز أن يكون مفعول * (لنريك) * الثاني * (الكبرى) * أو يكون * (من ءاياتنا) * في موضع المفعول الثاني. وتكون * (الكبرى) * صفة لآياتنا على حد * (الاسماء الحسنى) * و * (مأرب أخرى) * بجريان مثل هذا الجمع مجرى الواحدة المؤنثة، وأجاز هذين الوجهين من الإعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء. والذي نختاره أن يكون * (من ءاياتنا) * في موضع المفعول الثاني، و * (الكبرى) * صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون إياته تعالى كلها هي الكبر لأن ما كان بعض الآيات الكبر صدق عليه أنه * (الكبرى) *. وإذا جعلت * (الكبرى) * مفعولا لم تتصف الآيات بالكبر لأنها هي المتصفة بأفعل التفضيل، وأيضا إذا جعلت * (الكبرى) * مفعولا فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معا لأنهما كان يلزم التثنية في وصفيهما فكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلا منهما فيها معنى التفضيل. ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد * (لنريك من ءاياتنا الكبرى) * لأنه جعل * (الكبرى) * مفعولا ثانيا * (لنريك) * وجعل ذلك راجعا إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلا تغيير اللون، وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الشجر والحجر، ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مرارا فكانت أعظم من اليد.
وملا أراه تعالى هاتين المعجزتين العظيمتين في نفسه وفيما يلابسه وهو العصا أمره بالذهاب إلى فرعون رسولا من عنده تعالى وعللك حكمة الذهاب إليه بقوله * (إنه طغى) * وخص فرعون وإن كان مبعوثا إليهم كلهم لأنه رأس الكفر ومدعي الإلهية وقومه تباعه. قال وهب بن منبه: قال الله لموسى عليه السلام اسمع كلامي واحفظ وصيتي وانطلق برسالتي أرعاك بعيني وسمعي، وإن معك يدي ونصري، وألبسك جنة من سلطاني تستكمل بها العزة في أمري أبعثك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي، أقسم بعزتي لولا الحجة والقدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار، ولكن هان علي وسقط من عيني فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي. وقل له قولا لينا فإن ناصيته بيدي لا يطرف ولا يتنفس إلا بعلمي في كلام طويل. قال: فسكت موسى عليه السلام سبعة أيام. وقيل: أكثر فجاءه ملك فقال انفذ ما أمرك ربك.
* (قال رب اشرح لى صدرى * ويسر لى أمرى * واحلل عقدة من لسانى * يفقهوا قولي * واجعل لى وزيرا من أهلى * هارون أخى * اشدد به أزرى * وأشركه فى أمرى * كى نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا * قال قد أوتيت سؤلك ياموسى * موسى * ولقد مننا عليك مرة أخرى * إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى * أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له وألقيت عليك محبة منى) *. (سقط ولتصنع على عيني، إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتنالك فتونا فلبث سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى، واصطنعتك لنفسي)
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»