* (آنست) * من فلان خيرا. وقال الزمخشري: الإيناس الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء والإنس لظهورهم كما قيل الجن لاستتارهم. وقيل: هو إبصار ما يؤنس به لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعا متيقنا حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم. ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع، وقال: لعل ولم يقطع فيقول إني آتيكم لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به انتهى. والظاهر أنه رأى نورا حقيقة.
وقال الماوردي: كانت عند موسى * (نارا) * وكانت عند الله نورا. قيل: وخيل له أنه نار. قيل: ولا يجوز هذا لأن الإخبار بغير المطابق لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولفظة على ههنا على بابها من الاستعلاء، ومعناه إن أهل النار يستعلون المكان القريب منها، أو لأن المصطلين بها والمستمتعين إذا تكنفوها قياما وقعودا كانوا مشرفين عليها ومنه قول الأعشى.
ويات على النار الندى والمحلق وقال ابن الأنباري: على بمعنى عند وبمعنى مع وبمعنى الباء، وذكر الزجاج أنه ضل عن الماء فترجى أن يلقى من يهديه الطريق أو يدله على الماء، وانتصب * (هدى) * على أنه مفعول به على تقدير محذوف أي ذا * (هدى) * أو على تقدير حذف لأنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى هدى الطريق. وقيل: * (هدى) * في الدين قاله مجاهد وقتادة وهو بعيد، وهو وإن كان طلب من يهديه الطريق فقد وجد الهدى على الإطلاق.
والضمير في * (أتاها) * عائد على النار أتاها فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة عناب قاله ابن عباس. وقيل: سمرة قاله عبد الله. وقيل: عوسج قاله وهب. وقيل: عليقة عن قتادة ومقاتل والكلبي وكان كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر اتبعته، فأيقن أن هذا أمر من أمور الله الخارقة للعادة، ووقف متحيرا وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة و * (نودى) * وهو تكليم الله إياه. وقرأ الجمهور: * (إنى) * بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين، وعلى معاملة النداء معاملة القول لأنه ضرب منه على مذهب الكوفيين. و * (أنا) * مبتدأ أو فصل أو توكيد لضمير النصب، وفي هذه الأعاريب حصل التركيب لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. وقرأ ابن كثير وأبو عمر: وأني بفتح الهمزة والظاهر أن التقدير بأني * (أنا ربك) *. وقال ابن عطية: على معنى لأجل * (إنى أنا ربك فاخلع نعليك) * و * (نودى) * قد توصل بحرف الجر وأنشد أبو علي:
* ناديت باسم ربيعة بن مكدم * إن المنوه باسمه الموثوق * انتهى. وعلمه بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه تعالى فيه أو بالاستدلال بالمعجزة، وعند المعتزلة لا يكون ذلك إلا بالمعجز فمنهم من عينه ومنهم من قال: لا يلزم أن يعرف ما ذلك المعجز قالوا: ولا يجوز أن يكون ذلك بالعلم الضروري لأنه ينافي في التكليف، والظاهر أن أمره تعالى إياه بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما يخلع عند الملوك غاية في التواضع. وقيل: كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما. وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: (كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت). قال: هذا حديث غريب، والكمة القلنسوة الصغيرة وكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ قول عكرمة وقتادة والسدي ومقاتل والكلبي والضحاك. وقيل: كانتا من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما البيان بركة الوادي المقدس، وتمس