تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٣٧
قال: وتقول مررت برجل سواك وسواك وسواك أي غيرك، ويكون للجميع وأعلى هذه اللغات الكسر قاله النحاس. وقالت فرقة: معنى * (مكانا سوى) * مستويا من الأرض أي لا وعر فيه، ولا جبل، ولا أكمة، ولا مطمئن من الأرض بحيث يسير ناظر أحد فلا يرى مكان موسى والسحرة وما يصدر عنهما، قال ذلك واثقا من غلبة السحرة لموسى فإذا شاهدوا غلبهم إياه رجعوا عما كانوا اعتقدوا فيه. وقالت فرقة: معناه مكانا سوى: مكاننا هذا وليس بشيء لأن سوى إذا كانت بمعنى غير لا تستعمل إلا مضافة لفظا ولا تقطع عن الإضافة.
وقرأ الحسن والأعمش وعاصم في رواية وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة والجحدري وهبيرة والزعفراني يوم الزينة بنصب الميم وتقدم تخريج هذه القراءة في كلام الزمخشري وروي أن * (يوم الزينة) * كان عيدا لهم ويوما مشهودا وصادف يوم عاشوراء، وكان يوم سبت. وقيل: هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم. وقيل: يوم النيروز وكان رأس سنتهم. وقيل: يوم السبت فإنه يوم راحة ودعة. وقيل: يوم سوق لهم. وقيل: يوم عاشوراء.
وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو عمران الجوني وأبو نهيك وعمرو بن فايد وأن تحشر بتاء الخطاب أي يا فرعون وروي عنهم بالياء على الغيبة، والناس نصب في كلتا القراءتين. قالصاحب اللوامح * (وأن يحشر) * الحاشر * (الناس ضحى) * فحذف الفاعل للعلم به انتهى. وحذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين. وقال غيره * (وأن يحشر) * القوم قال ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة، إما على العادة التي تخاطب بها الملوك أو خاطب القوم لقوله * (موعدكم) * وجعل * (يحشر) * لفرعون ويجوز أن يكون * (وأن يحشر) * في موضع رفع عطفا على * (يوم الزينة) * وأن يكون في موضع جر عطفا على * (الزينة) * وانتصب * (ضحى) * على الظرف وهو ارتفاع النهار، ويؤنث ويذكر والضحاء بفتح الضاد ممدود مذكر وهو عند ارتباع النهار الأعلى، وإنما واعدهم موسى ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله وظهور دينه وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد، وفي المجمع الغاص لتقوى رغبة من رغب في اتباع الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر. والظاهر أن قوله * (قال موعدكم يوم الزينة) * من كلام موسى عليه السلام لأنه جواب لقول فرعون * (فاجعل بيننا وبينك موعدا) * ولأن تعيين اليوم إنما يليق بالمحق الذي يعرف اليد له لا المبطل الذي يعرف أنه ليس معه إلا التلبيس. ولقوله * (موعدكم) * وهو خطاب للجميع، وأبعد من ذهب إلى أنه من كلام فرعون.
* (فتولى فرعون) * أي معرضا عن قبول الحق أو * (تولى) * ذلك الأمر بنفسه أو فرجع إلى أهله لاستعداد مكايده، أو أدبر على عادة المتواعدين أن يولي كل واحد منهما صاحبه ظهره إذا افترقا. أقوال * (فجمع كيده) * أي ذوي كيده وهم السحرة. وكانوا عصابة لم يخلق الله أسحر منها * (ثم أتى) * للموعد الذي كانوا تواعدوه. وأتى موسى أيضا بمن معه من بني إسرائيل قال لهم موسى * (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) * وتقدم تفسير ويل في سورة البقرة، خاطبتهم خطاب محذر وندبهم إلى قول الحق إذ رأوه وأن لا يباهتوا بكذب. وعن وهب لما قال للسحرة * (ويلكم) * قالوا ما هذا بقول ساحر * (فيسحتكم) * يهلككم ويستأصلكم، وفيه دلالة على عظم الافتراء وأنه يترتب عليه هلاك الاستئصال، ثم ذكر أنه لا يظفر بالبغية ولا ينجح طلبه * (من افترى) * على الله الكذب.
ولما سمع السحرة منه هذه المقالة هالهم ذلك ووقعت في نفوسهم مهابته * (فتنازعوا أمرهم) * أي تجاذبوه والتنازع يقتضي الاختلاف. وقرأ حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن جرير * (فيسحتكم) * بضم الياء وكسر الحاء من أسحت رباعيا. وقرأ باقي السبعة ورويس وابن عباعي بفتحهما من سحت ثلاثيا. وإسرارهم النجوى خيفة من فرعون أن يتبين فيهم ضعفا لأنهم لم يكونوا مصممين على غلبة موسى بل كان ظنا من بعضهم. وعن ابن عباس أن نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه، وعن قتادة إن كان ساحرا فسنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر.
وقال الزمخشري: والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»