تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٩٧
وقعنا وقعة لا يبلغها أحد بعدنا.
* (وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون) *: لما شرح أحوال منافقي المدينة، ثم أحوال منافقي الأعراب، ثم بين أن في الأعراب، من هو مخلص صالح، ثم بين رؤساء المؤمنين من هم ذكر في هذه الآية أن منافقين حولكم من الإعراب، وفي المدينة لا تعلمونهم أي: لا تعلمون أعيانهم، أو لا تعلمونهم منافقين. ومعنى حولكم: حول بلدتكم وهي المدينة. والذين كانوا حول المدينة جهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار، ومزينة، وعصية، ولحيان، وغيرهم ممن جاوز المدينة. ومن أهل المدينة يجوز أن يكون من عطف المفردات، فيكون معطوفا على من في قوله: وممن، فيكون المجرور أن يشتركان في المبتدأ الذي هو منافقون، ويكون مردوا استئنافا، أخبر عنهم أنهم خريجون في النفاق. ويبعد أن يكون مردوا صفة للمبتدأ الذي هو منافقون، لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالمعطوف على وممن حولكم، فيصير نظير في الدار زيد وفي القصر العاقل، وقد أجازه الزمخشري تابعا للزجاج. ويجوز أن يكون من عطف الجمل، ويقدر موصوف محذوف هو المبتدأ أي: ومن أهل المدينة قوم مردوا، أو منافقون مردوا. قال الزمخشري: كقوله: أنا ابن جلا. انتهى. فإن كان شبهه في مطلق حذف الموصوف، وإن كان شبهه في خصوصيته فليس بحسن، لأن حذف الموصوف مع من وإقامة صفته مقامه، وهي في تقدير الاسم، ولا سيما في التفصيل منقاس كقولهم: منا ظعن ومنا أقام. وأما أنا ابن جلا فضرورة شعر كقوله:
* يرمي بكفي كان من أرمى البشر * أي بكفي رجل. وكذلك أنا ابن جلا تقديره: أنا ابن رجل جلا أي كشف الأمور. وبينها وعلى الوجه الأول يكون مردوا شاملا للنوعين، وعلى الوجه الثاني يكون مختصا بأهل المدينة. وتقدم شرح مردوا في قوله: * (شيطانا مريدا * لعنه الله) * وقال هنا ابن عباس: مردوا، مرنوا وثبتوا، وقال أبو عبيدة: عتوا من قولهم تمرد. وقال ابن زيد: أقاموا عليه لم يتوبوا لا تعلمهم أي: حتى نعلمك بهم، أو لا تعلم عواقب أمرهم، حكاه ابن الجوزي. أو لا تعلمهم منافقين، لأن النفاق مختص بالقلب. وتقدم لفظ منافقين فدل على المحذوف، فتعدت إلى اثنين قاله: الكرماني. وقال الزمخشري: يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط توقيهم ما يشكك في أمرهم. وأسند الطبري عن قتادة في قوله: لا تعلمهم نحن نعلمهم قال: فما بال أقوام يتكلفون علم الناس؟ فلان في الجنة، فلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري أنت لعمري بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الرسل. قال نبي الله نوح: * (وما علمى بما كانوا يعملون) * وقال نبي الله شعيب: * (بقيت الله
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»