تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٨٦
الفوز العظيم) *: لما ذكر أن أولئك المنافقين اختاروا الدعة وكرهوا الجهاد، وفروا من القتال، وذكر ما أثر ذلك فيهم من الطبع على قلوبهم، ذكر حال الرسول والمؤمنين في المثابرة على الجهاد، وذلك ما لهم من الثواب. ولكن وضعها أن تقع بين متنافيين. ولما تضمن قول المنافقين ذرنا، واستئذانهم في القعود، كان ذلك تصريحا بانتفاء الجهاد. فكأنه قيل: رضوا بكذا ولم يجاهدوا، ولكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا. والمعنى: إن تخلف هؤلاء المنافقون فقد توجه إلى الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية. كقوله تعالى: * (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) * * (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار) * والخيرات: جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء، فيتناول محاسن الدنيا والآخرة لعموم اللفظ، وكثرة استعماله في النساء ومنه فيهن خيرات حسان. وقال الشاعر:
* ولقد طعنت مجامع الربلات * ربلات هند خيرة الملكات * وقيل: المراد بالخيرات هنا الحور العين. وقيل: المراد بها الغنائم من الأموال والذراري. وقيل: أعد الله لهم جنات، تفسير للخيرات إذ هو لفظ مبهم.
* (وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) *: ولما ذكر أحوال المنافقين الذين بالمدينة شرح أحوال المنافقين من الإعراب. قرأ الجمهور: المعذبون بفتح العين وتشديد الذال، فاحتمل وزنين: أحدهما: أن يكون فعل بتضعيف العين ومعناه: تكلف العذر ولا عذر له، ويقال عذر في الأمر قصر فيه وتوانى، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له. والثاني: أن يكون وزنه افتعل، وأصله اعتذر كاختصم، فأدغمت التاء في الذال. ونقلت حركتها إلى العين، فذهبت ألف الوصل. ويؤيده قراءة سعيد بن جبير: المعتذرون بالتاء من اعتذر. وممن ذهب إلى أن وزنه افتعل. الأخفش، والفراء، وأبو عبيد، وأبو حاتم، والزجاج، وابن الأنباري. وقرأ ابن عباس، وزيد بن علي، والضحاك، والأعرج، وأبو صالح، وعيسى بن هلال، ويعقوب، والكسائي، في رواية المعذرون من أعذر. وقرأ مسلمة: المعذرون بتشديد العين والذال، من تعذر بمعنى اعتذر. قال أبو حاتم: أراد المتعذرين، والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج، وهي غلط منه أو عليه. واختلف في هؤلاء المعذرين أهم مؤمنون أم كافرون؟ فقال ابن عباس ومجاهد وجماعة: هو مؤمنون، وأعذارهم صادقة. وقال قتادة وفرقة: هم كافرون وأعذارهم كذب. وكان ابن عباس يقول: رحم الله المعذرين ولعن المعذرين. قيل: هم أسد وغطفان قالوا إن لنا عيالا وأن بنا جهدا، فأذن لهم في
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»