تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٩٥
* تربص بها ريب المنون لعلها * تطلق يوما أو يموت حليلها * وتربص الدوائر ليخلصوا من إعياء النفقة، وقوله: عليهم دائرة السوء، دعا معترض، دعاء عليهم بنسبة ما أخبر به عنهم كقوله: * (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم) * والدعاء من الله هو بمعنى إنجاب الشيء، لأنه تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته. وقال الكرماني: عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعونها على المسلمين، وهنا وعد للمسلمين وإخبار. وقيل: دعاء أي: قولوا عليهم دائرة السوء أي المكروه، وحقيقة الدائرة ما تدور به الأيام. وقيل: يدور به الفلك في سيره، والدوائر انقلاب النعمة إلى ضدها. وفي الحجة يجوز أن تكون الدائرة مصدرا كالعاقبة، ويجوز أن تكون صفة. وقرأ ابن كثير وأبو عمر: والسوء هنا. وفي سورة الفتح ثانية بالضم، وباقي السبعة بالفتح، فالفتح مصدر. قال الفراء: سوأته سوأ ومساءة وسوائية، والضم الاسم وهو الشر والعذاب، والفتح ذم الدائرة وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته، وصفت الدائرة بالمصدر كما قالوا: رجل سوء في نقيض رجل صدق، يعنون في هذا الصلاح لا صدق اللسان، وفي ذلك الفساد. ومنه * (ما كان أبوك امرأ سوء) * أي أمرأ فاسدا. وقال المبرد: لسوء بالفتح الرداءة، ولا يجوز ضم السين في رجل سوء، قاله أكثرهم. وقد حكي بالضم وقال الشاعر:
* وكنت كذيب السوء لما رأى دما * بصاحبه يوما أحال على الدم * والله سميع لأقوالهم عليم بنياتهم.
* (ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم) *: نزلت في بني مقرن من مزينة قاله مجاهد. وقال عبد الرحمان بن مغفل بن مقرن: كنا عشرة ولد مقرن فنزلت: ومن الأعراب من يؤمن الآية يريد: الستة والسبعة الإخوة على الخلاف في عددهم وبنيهم. وقال الضحاك: في عبد الله ذي النجادين ورهطه. وقال الكلبي: في أسلم وغفار وجهينة. ولما ذكر تعالى من يتخذ ما ينفق مغرما ذكر مقابله وهو من يتخذ ما ينفق مغنما، وذكر هنا الأصل الذي يترتب عليه إنفاق المال في القربات وهو الإيمان بالله واليوم الآخر، إذ جزاء ما ينفق إنما يظهر ثوابه الدائم في الآخرة. وفي قصة أولئك اكتفى بذكر نتيجة الكفر وعدم الإيمان، وهو اتخاذه ما ينفق مغرما وتربصه بالمؤمنين الدوائر. والأجود تعميم القربات من جهاد وصدقة، والمعنى: يتخذه سبب وصل عند الله وأدعية الرسول، وكان يدعو للمصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم كقوله صلى الله عليه وسلم): (اللهم صل على آل أبي أوفى) وقال تعالى: * (وصل عليهم) * والظاهر عطف وصلوات على قربات. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون وصلوات الرسول عطفا على ما ينفق، أي: ويتخذ بالأعمال الصالحة صلوات الرسول قربة. قال ابن عباس: صلوات الرسول هي استغفاره لهم. وقال قتادة: أدعيته بالخير والبركة سماها صلوات جريا على الحقيقة اللغوية، أو لأن الدعاء فيها، وحين جاء ابن أبي أوفى بصدقته قال: (آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهورا) والضمير في أنها قيل: عائد على الصلوات. وقيل: عائد على النفقات. وتحرير هذا القول أنه عائد على ما على معناها، والمعنى: قربة لهم عند الله. وهذه شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق رجائه على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه، وهو ألا وحرف التوكيد هو أن. قال الزمخشري: وما في السين
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»