مال الله له النار يوم القيامة. كالذي خاضوا: أي كالخوض الذي خاضوا قاله الفراء. وقيل: كالخوض الذين خاضوا. وقيل: النون محذوفة أي: كالذين خاضوا، أي كخوض الذين. وقيل: الذي مع ما بعدها يسبك منهما مصدر أي: كخوضهم. والظاهر أن أولئك إشارة إلى الذين وصفهم بالشدة وكثرة الأموال والأولاد، والمعنى: وأنتم كذلك يحبط أعمالكم. قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بأولئك المنافقين المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم)، ويكون الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم)، وفي ذلك خروج من خطاب إلى خطاب غير الأول. وقوله: في الدنيا ما يصيبهم في الدنيا من التعب وفساد أعمالهم، وفي الآخرة نار لا تنفع ولا يقع عليها جزاء. ويقوي الإشارة بأولئك إلى المنافقين قوله في الآية المستقبلة * (ألم يأتهم) * فتأمله انتهى. وقال الزمخشر: حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، نقيض قوله تعالى: * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب) *.
* (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما) *: لما شبه المنافقين بالكفار المتقدمين في الرغبة في الدنيا وتكذيب الأنبياء، وكان لفظ الذين من قبلكم فيه إبهام، نص على طوائف بأعيانها ستة، لأنهم كان عندهم شيء من أنبائهم، وكانت بلادهم قريبة من بلاد العرب، وكانوا أكثر الأمم عددا، وأنبياؤهم أعظم الأنبياء: نوح أول الرسل، وإبراهيم الأب الأقرب للعرب وما يليها من الأمم مقاربون لهم في الشدة وكثرة المال والولد. فقوم نوح أهلكوا بالغرق، وعاد بالريح، وثمود بالصيحة، وقوم إبراهيم بسلب النعمة عنهم، حتى سلطت البعوضة على نمرود ملكهم، وأصحاب مدين بعذاب يوم الظلة، والمؤتفكات بجعل أعالي أرضها أسافل، وأمطار الحجارة عليهم.
قال الواحدي: معنى الائتفاك الانقلاب، فأفكته فائتفك أي قلبته فانقلب. والمؤتفكات صفة للقرى التي ائتفكت بأهلها، فجعل أعلاها أسفلها. والمؤتفكات مدائن قوم لوط. وقيل: قريات قوم لوط وهود وصالح. وائتفاكهن: انقلاب أحوالهن عن الخير إلى الشر. قال ابن عطية: والمؤتفكات أهل القرى الأربعة. وقيل: التسعة التي بعث إليهم لوط عليه السلام، وقد جاءت في القرآن مفردة تدل على الجمع، ومن هذه اللفظة قول عمران بن حطان:
* لمنطق مستبين غير ملتبس * به اللسان ورأي غير مؤتفك * أي غير منقلب متصرف مضطرب. ومنه يقال للريح: مؤتفكة لتصرفها، ومنه * (أنى يؤفكون) * والإفك صرف القول من الحق إلى الكذب انتهى.
وفي قوله: ألم يأتهم، تذكير بأنباء الماضين وتخويف أن يصيبهم مثل ما أصابهم، وكان أكثرهم عالمين بأحوال هذه الأمم، وقد ذكر شيء منها في أشعار جاهليتهم كالأفوه الأزدي، وعلقمة بن عبدة، وغيرهما. ويحتمل أن يكون قوله: ألم يأتهم تذكيرا بما قص الله عليهم في القرآن من أحوال هؤلاء وتفاصيلها. والظاهر أن الضمير في أتتهم رسلهم بالبينات عائد على الأمم الستة المذكورة، والجملة شرح للنبأ. وقيل: يعود على المؤتفكات خاصة، وأتى بلفظ رسل وإن كان نبيهم واحدا، لأنه كان يرسل إلى كل قرية رسولا داعيا، فهم رسول رسول الله، ذكره الطبري. وقال الكرماني: قيل: يعود على المؤتفكات أي: أتاهم رسول بعد رسول. والبينات المعجزات، وهي وأصحاب بالنسبة إلى الحق، لا بالنسبة إلى المكذبين. قال ابن عباس: ليظلمهم ليهلكهم حتى يبعث فيهم نبيا ينذرهم. والمعنى: أنهم أهلكوا باستحقاقهم. وقال مكي: فما كان الله ليضع عقوبته في غير مستحقها، إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون إذ عصوا الله وكذبوا رسله حتى أسخطوا ربهم واستوجبوا العقوبة، فظلموا بذلك أنفسهم. وقال الكرماني: ليظلمهم بإهلاكهم، يظلمون بالكفر والتكذيب. وقال