تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٥٩
زيد، وجابر بن زيد، والحكم، ومقاتل، ومحمد بن مسلمة: المساكين الذين يسعون ويسألون، والفقراء هم الذين يتعاونون.
وأما بقاء الحكم للأصناف الثمانية فذهب عمر بن الخطاب والحسن والشعبي وجماعة: إلى أنه انقطع صنف المؤلفة بعزة الإسلام وظهوره، وهذا مشهور مذهب مالك وأبي حنيفة، قال بعض الحنفيين: أجمعت الصحابة على سقوط سهمهم في خلافة أبي بكر لما أعز الله الإسلام وقطع دابر الكافرين. وقال القاضي عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقات. وقال كثير من أهل العلم: المؤلفة قلوبهم موجودون إلى يوم القيامة. قال ابن عطية: وإذا تأملت الثغور وجدت فيها الحاجة إلى الائتلاف انتهى. وقال يونس: سألت الزهري عنهم فقال: لا أعلم نسخا في ذلك. قال أبو جعفر النحاس: فعل هذا الحكم فيهم ثابت، فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة أو يرجى حسن إسلامه بعد دفع إليه. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعطيهم. فإن في الصحيح: (بدا الإسلام غريبا وسيعود كما بدا) وفي كتاب التحرير قال الشافعي: العامل والمؤلفة قلوبهم مفقودان في هذا الزمان، بقيت الأصناف الستة، فالأولى صرفها إلى الستة. وأما أنه يعتبر في كل صنف منها ما دل عليه لفظه إن كان موجودا فهو مذهب الشافعي، ذهب إلى أنه لا بد في كل صنف من ثلاثة، لأن أقل الجمع ثلاثة، فإن دفع سهم الفقراء إلى فقيرين ضمن نصيب الثالث وهو ثلث سهم. وقال أصحاب أبي حنيفة: يجوز أن يعطي جميع زكاته مسكينا واحدا. وقال مالك: لا بأس أن يعطي الرجل زكاة الفطر عن نفسه وعياله واحدا، واللام في للفقراء. قيل: للملك. وقيل: للاختصاص.
والظاهر عموم الفقراء والمساكين، فيدخل فيه الأقارب والأجانب وكل من اتصف بالفقر والمسكنة فأما ذو وقربى الرسول صلى الله عليه وسلم) فقال أصحاب أبي حنيفة: تحرم عليهم الصدقة منهم: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحرث بن عبد المطلب. وروى عن أبي حنيفة وليس بالمشهور أن فقراء بني هاشم يدخلون في آية الصدقة. وقال أبو يوسف: لا يدخلون. قال أبو بكر الرازي: المشهور عن أصحابنا أنهم من تقدم من آل العباس ومن ذكر معهم، ويخص التحريم الفرض لا صدقة التطوع. وقال مالك: لا تحل الزكاة لآل محمد، ويحل التطوع. وقال الثوري: لا تحل لبني هاشم، ولم يذكر فرقا بين النفل والفرض. وقال الشافعي: تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني المطلب، وتجوز صدقة التطوع على كل أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فإنه كان لا يأخذها. وقال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ: وابن حبيب: لا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة، ولا من التطوع. وقال مالك في الواضحة: لا يعطى آل محمد من التطوع.
وأما أقارب المزكي فقال أصحاب أبي حنيفة: لا يعطى منها والد وإن علا، ولا ابن وإن سفل، ولا زوجة. وقال مالك والثوري والحسن بن صالح والليث: لا يعطى من تلزمه نفقته. وقال ابن شبرمة: لا يعطى قرابته الذين يرثونه، وإنما يعطى من لا يرثه وليس في عياله. وقال الأوزاعي: لا يتخطى بزكاة ماله فقراء أقاربه إذا لم يكونوا من عياله، ويتصدق على مواليه من غير زكاة ماله. وقال مالك والثوري وابن شبرمة والشافعي وأصحاب أبي حنيفة: لا يعطى الفرض من الزكاة. وقال عبيد الله بن الحسن: إذا لم يجد مسلما أعطى الذمي، فكأنه يعني الذمي الذي هو بين ظهرانيهم. وقال مالك وأبو حنيفة: لا تعطى الزوجة زوجها من الزكاة. وقال الثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد: تعطيه، واختلفوا في المقدار الذي إذا ملكه الإنسان دخل به في حد الغنى وخرج عن حد الفقر وحرمت عليه الصدقة. فقال قوم: إذا كان عند أهله ما يغديهم ويعشيهم حرمت عليه الصدقة، ومن كان عنده دون ذلك حلت له. وقال قوم: حتى يملك أربعين درهما، أوعد لها من الذهب. وقال قوم: حتى تملك خمسين درهما أو عد لها من الذهب، وهذا مروي عن علي وعبد الله والشعبي. قال مالك: حتى تملك مائتي درهم أو عد لها من عرض أو غره فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وأثاث وفرش، وهو قول أصحاب أبي حنيفة. فلو دفعها إلى من ظن أنه فقير فتبين أنه غنى، أو تبين أن المدفوع إليه أبوه أو ذمي ولم يعلم بذلك وقت الدفع. فقال أبو حنيفة ومحمد: يجزئه. وقال أبو يوسف: لا يجزئه.
والعامل هو الذي يستنيبه الإمام في السعي في جميع الصدقات، وكل من يصرف ممن لا
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»