تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٦٥
* (قال ءامنتم له قبل أن ءاذن) * انتهى. وقال ابن عطية: يؤمن بالله يصدق بالله، ويؤمن للمؤمنين. قيل: معناه ويصدق المؤمنين، واللام زائدة كما هي في * ( ردف لكم) * وقال المبرد: هي متعلقة بمصدر مقدر من الفعل، كأنه قال: وإيمانه للمؤمنين أي: وتصديقه. وقيل: يقال آمنت لك بمعنى صدقتك، ومنه قوله: * (وما أنت بمؤمن لنا) * وعندي أن هذه التي معها اللام في ضمنها باء فالمعنى: ويصدق للمؤمنين فيما يخبرونه به، وكذلك وما أنت بمؤمن لنا بما نقوله لك انتهى. وقرأ أبي، وعبد الله، والأعمش، وحمزة: ورحمة بالجر عطفا على خبر، فالجملة من يؤمن اعتراض بين المتعاطفين، وباقي السبعة بالرفع عطفا على يؤمن، ويؤمن صفة لأذن خير. وابن أبي عبلة: بالنصب مفعولا من أجله حذف متعلقه التقدير: ورحمة يأذن لكم، فحذف لدلالة أذن خير لكم عليه. وأبرز اسم الرسول ولم يأت به ضميرا على نسق يؤمن بلفظ الرسول تعظيما لشأنه، وجمعا له في الآية بين الرتبتين العظيمتين من النبوة والرسالة، وإضافته إليه زيادة في تشريفه، وحتم على من أذاه بالعذاب الأليم، وحق لهم ذلك والذين يؤذون عام يندرج فيه هؤلاء الذين أذوا هذا الإيذاء الخاص وغيرهم.
* (يحلفون بالله ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) *: الظاهر أن الضمير في يحلفون عائد على الذين يقولون: هو أذن أنكره وحلفوا أنهم ما قالوه. وقيل: عائد على الذين قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا، فنحن شر من الحمير، وتقدم ذكر ذلك. وقيل: عائد على الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فلما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم) والمؤمنون اعتذروا وحلفوا واعتلوا، قاله: ابن السائب، واختاره البيهقي. وكانوا ثلاثة وثمانين حلف منهم ثمانون، فقبل الرسول أعذارهم واعترف منهم بالحق ثلاثة، فأطلع الله رسوله على كذبهم ونفاقهم، وهلكوا جميعا بآفات، ونجا الذين صدقوا. وقيل: عائد على عبد الله بن أبي ومن معه حلفوا أن لا يتخلفوا عن رسول الله وليكونوا معه على عدوه. وقال ابن عطية المراد جميع المنافقين الذين يحلفون للرسول والمؤمنين أنهم معهم في الدين وفي كل أمر وحرب، وهم يبطنون النفاق، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر، وهذا قول جماعة من أهل التأويل. واللام في ليرضوكم لام كي، وأخطأ من ذهب إلى أنها جواب القسم، وأفرد الضمير في أن يرضوه لأنهما في حكم مرضي واحد، إذ رضا الله هو ضا الرسول، أو يكون في الكلام حذف. قال ابن عطية: مذهب سيبويه أنهما جملتان، حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها، والتقدير عنده: والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه. وهذا كقول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف ومذهب المبرد: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، وتقديره: والله أحق أن يرضوه ورسوله. وقيل: الضمير عائد على المذكور كما قال رؤبة:
* فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق * انتهى. فقوله: مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى لدلالة الأولى لدلالة الثانية عليها أن كان الضمير في أنهما عائدا على كل واحدة من الجملتين، فكيف تقول حذفت الأولى ولم تحذف الأولى إنما حذف خبرها؟، وإن كان الضمير عائدا على الخبر وهو أحق أن يرضوه، فلا يكون جملة إلا باعتقاد كون أن يرضوه مبتدأ وأحق المتقدم خبره، لكن لا يتعين هذا
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»