الزمخشري: فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح، وأن يعاقبهم بغير جرم، ولكن ظلموا أنفسهم حيث كفروا به فاستحقوا عقابه انتهى. وذلك على طريقة الاعتزال. ويظهر أن بين قوله بالبينات. وقوله: فما كان كلاما محذوفا تقديره والله أعلم فكذبوا فأهلكهم الله، فما كان الله ليظلمهم.
* (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون * من * المنكر ويقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) *: لما ذكر المنافقين والمنافقات وما هم عليه من الأوصاف القبيحة والأعمال الفاسدة، ذكر المؤمنين والمؤمنات وقال في أولئك بعضهم من بعض، وفي هؤلاء بعضهم أولياء بعض. قال ابن عطية: إذ. لا ولاية بين المنافقين ولا شفاعة لهم، ولا يدعو بعضهم لبعض، فكان المراد هنا الولاية في الله خاصة. وقال أبو عبد الله الرازي: بعضهم من بعض يدل على أن نفاق الاتباع وكفرهم حصل بسبب التقليد لأولئك الأكابر، وسبب مقتضى الطبيعة والعادة. أما الموافقة الحاصلة بين المؤمنين فإنما حصلت لا بسبب الميل والعادة، بل بسبب المشاركة في الاستدلال والتوفيق والهداية، والولاية ضد العداوة. ولما وصف المؤمنين بكون بعضهم أولياء بعض ذكر بعده ما يجري كالتفسير والشرح له، وهي الخمسة التي يميز بها المؤمن على المنافق. فالمنافق يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف ولا يقوم إلى الصلاة إلا وهو كسلان، ويبخل بالزكاة، ويتخلف بنفسه عن الجهاد، وإذا أمره الله تثبط وثبط غيره. والمؤمن بضد ذلك كله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والجهاد. وهو المراد في هذه الآية بقوله: ويطيعون الله ورسوله انتهى، وفيه بعض تلخيص. وقال أبو تلخيص. وقال أبو العالية: كل ما ذكره الله في القرآن من الأمر بالمعروف فهو دعاء من الشرك إلى الإسلام، وما ذكر من النهي عن المنكر فهو النهي عن عبادة الأصنام والشياطين. وقال ابن عباس: ويقيمون الصلاة هي الصلوات المس. قال ابن عطية: وبحسب هذا تكون الزكاة المفروضة والمدح عندي بالنوافل أبلغ، إذ من يقيم النوافل أجدى بإقامة الفروض، ويطيعون الله ورسوله جامع للمندوبات انتهى، سيرحمهم الله. قال ابن عطية: السين مدخلة في الوعد مهلة، لتكون النفوس تتنعم برجائه وفضله تعالى. وقال الزمخشري: السين مفيدة وجوب الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك يوما يعني: إنك لا تفوتني وإن تبطأ ذلك. ونحوه: * (سيجعل لهم الرحمان ودا) * * (ولسوف يعطيك ربك) * * (سوف * فيوفيهم أجورهم) * انتهى. وفيه دفينة خفية من الاعتزال بقوله: السين مفيدة وجوب الرحمة لا محالة، يشير إلى أنه يجب على الله تعالى إثابة الطائع، كما تجب عقوبة العاصي. وليس مدلول السين توكيد ما دخلت عليه، إنما تدل على تخليص المضارع للاستقبال فقط. ولما كانت الرحمة هنا عبارة عما يترتب على تلك الأعمال الصالحة من الثواب والعقاب في الآخرة، أتى بالسين التي تدل على استقبال الفعل أن الله عزيز غالب على كل شيء، قادر عليه، حكيم واضع كلا موضعه.
* (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذالك هو الفوز العظيم) *: لما أعقب المنافقين بذكر ما وعدهم به من نار جهنم، أعقب المؤمنين بذكر ما وعدهم به من نعيم الجنان. ولما كان قوله: * (سيرحمهم الله) * وعدا إجماليا فصله هنا تنبيها على أن تلك الرحمة هي هذه الأشياء، ومساكن طيبة. قال ابن عباس: هي دور المقربين. وقيل: دور في جنات عدن مختلفة في الصفات باختلاف حال الحالين بها. وقيل: قصور زبرجد ودر وياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام في أماكن إقامتهم. وفي الحديث: (قصر في الجنة من اللؤلؤ فيه سبعون دارا من ياقوته حمراء، وفي كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا) وذكر في آخر هذا الحديث أشياء، وإن صح هذا النقل عن الرسول وجب المصير إليه. في جنات عدن أي: إقامة. وقال كعب الأحبار: هي بالفارسية الكروم والأعناب.