والزجاج، والطبري: انتصب خلاف على أنه مفعول لأجله أي: لمخالفة رسول الله، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا. ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ خلف بضم الخاء، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثوابا، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقابا. وفي قوله: فرح وكرهوا مقابلة معنوية، لأن الفرح من ثمرات المحبة. وفي قوله: أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم تعريض بالمؤمنين ويتحملهم المشاق العظيمة أي: كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله، وآثروا ذلك على الدعة والخفض، وكره ذلك المنافقون، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان. والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج، وكأن الفرج بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف. واستعذروا بشدة الحر، فأجاب الله تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر، وقالوا: إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلا. وقيل: قالوا للمؤمنين لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسبوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر. قال ابن عباس، وأبو رزثن والربيع: قال رجل: يا رسول الله، الحر شديد، فلا ننفر في الحر. وقال محمد بن كعب هو رجل من بني سلمة انتهى. أي: قال ذلك عن لسانهم، فلذلك جاء وقالوا بلفظ الجمع. وكانت غزوة تبوك في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال، فأمر الله نبيه أن يقول لهم: قل نار جهنم أشد حرا، أقام الحجة عليهم بأنه قيل لهم: إذا كنتم تجزعون من حر القيظ، فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فقهتم. قال الزمخشري: قل نار جهنم أشد حرا استجهال لهم، لأن من تصون من مشقة ساعة فوقع بذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل. ولبعضهم:
* مسرة أحقاد تلقيت بعدها * مساءة يوم اربها شبه الصاب * * فكيف بأن تلقى مسرة ساعة * وراء تقضيها مساءة أحقاب * انتهى. وقرأ عبيد الله: يعلمون مكان يفقهون، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير، لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه، ولما روي عنه الأئمة. والأمر بالضحك والبكاء في معنى الخبر، والمعنى: فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا، إلا أنه أخرج على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم لا يكون غيره. روي أن أهل النفاق يكونون في النار عمرالدنيا، لا يرقأ لهم دمع، ولا يكتحلون بنوم. والظاهر أن قوله: فليضحكوا قليلا إشارة إلى مدة العمر في الدنيا، وليبكوا كثيرا إشارة إلى تأييد الخلود، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم. قال ابن عطية: ويحتمل أن تكون صفة حالهم أي: هم لما هم عليه من الحظر مع الله وسوء الحال، بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم كثيرا من أجل ذلك، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا نحو قوله عليه السلام لأمته: (لو يعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا) وانتصب قليلا وكثيرا على المصدر، لأنهما نعت للمصدر أي: ضحكا قليلا