تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٦٦
القول: إذ يجوز أن يكون الخبر مفردا بأن يكون التقدير: أحق بأن يرضوه. وعلى التقدير الأول يكون التقدير: والله إرضاؤه أحق. وقدره الزمخشري: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك. إن كانوا مؤمنين كما يزعمون، فأحق من يرضونه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) بالطاعة والوفاق.
* (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذالك الخزى العظيم) * أي ألم يعلم المنافقون؟ وهو استفهام معناه التوبيخ والإنكار. وقرأ الحسن والأعرج: بالتاء على الخطاب، فالظاهر أنه التفات، فهو خطاب للمنافقين. قيل: ويحتمل أن يكون خطابا للمؤمنين، فيكون معنى الاستفهام التقرير. وإن كان خطابا للرسول فهو خطاب تعظيم، والاستفهام فيه للتعجب، والتقدير: ألا تعجب من جهلهم في محادة الله تعالى: وفي مصحف أبي ألم يعلم. قال ابن عطية: على خطاب النبي عليه السلام انتهى. والأولى أن يكون خطابا للسامع، قال أهل المعاني: ألم تعلم، الخطاب لمن حاول تعليم إنسان شيئا مدة وبالغ في ذلك التعليم فلم يعلم فقال له: ألم تعلم بعد المباحث الظاهرة والمدة المديدة، وحسن ذلك لأنه طال مكث النبي صلى الله عليه وسلم) معه، وكثر منه التحذير عن معصية الله والترغيب في طاعة الله. قال بعضهم: المحادة المخالفة، حاددته خالفته، واشتقاقه من الحد أي كان على حد غير حادة كقولك: شاقة، كان في شق غير شقه. وقال أبو مسلم: المحادة مأخوذة من الحديد، حديد السلاح. والمحادة هنا، قال ابن عباس: المخالفة. وقيل: المحاربة. وقيل: المعاندة. وقيل: المعادة. وقيل: مجاوزة الحد في المخالفة. وهذه أقوال متقاربة. وقرأ الجمهور فإن له بالفتح، والفاء جواب الشرط. فتقتضي جملة وإن له مفرد في موضع رفع على الابتداء، وخبره محذوف قدره الزمخشري: مقدما نكرة أي: فحق أن يكون وقدره غيره: متأخرا أي فإن له نار جهنم واجب، قاله: الأخفش، ورد عليه بأن أن لا يبتدأ بها متقدمة على الخبر، وهذا مذهب سيبويه والجمهور. وأجاز الأخفش والفراء وأبو حاتم الابتداء بها متقدمة على الخبر، فالأخفش خرج ذلك على أصله. أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: فالواجب أن له النار. قال علي بن سليمان: وقال الجرمي والمبرد: إن الثانية مكررة للتوكيد، كان التقدير: فله نار جهنم، وكرر أن توكيدا. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون فإن له معطوفا على أنه، على أن جواب من محذوف تقديره: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فإن له نار جهنم انتهى، فيكون فإن له نار جهنم في موضع نصب. وهذا الذي قدره لا يصح، لأنهم نصوا على أنه إذا حذف الجواب لدلالة الكلام عليه كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ، أو مضارعا مجزوما بلم، فمن كلامهم: أنت ظالم إن فعلت، ولا يجوز أن تفعل، وهنا حذف جواب الشرط، وفعل الشرط ليس ماضي اللفظ ولا مضارعا مقرونا بلم، وذلك إن جاء في كلامهم فمخصوص بالضرورة. وأيضا فتجد الكلام تاما دون تقدير هذا الجواب. ونقلوا عن سيبويه أن أن بدل من أنه. قال ابن عطية: وهذا معترض بأن الشيء لا يبدل منه حتى يستوفى. والأولى في هذا الموضع لم يأت خبرها بعد أن لم يتم جواب الشرط، وتلك الجملة هي الخبر. وأيضا فإن الفاء مانع البدل وأيضا، فهي معنى آخر غير الأول، فيقلق البدل. وإذا تلطف للبدل فهو بدل اشتمال انتهى. وقال أبو البقاء: وهذا يعني البدل ضعيف لوجهين: أحدهما: أن الفاء التي معها تمنع من ذلك، والحكم بزيادتها ضعيف. والثاني: أن جعلها بدلا يوجب سقوط جواب الكلام انتهى. وقيل: هو على إسقاط اللام أي: فلأن له نار جهنم، فالفاء جواب الشرط، ويحتاج إلى إضمار ما يتم به جواب الشرط جملة أي: فمحادته لأن له نار جهنم. وقرأ ابن أبي عبلة: فإن له بالكسر في الهمزة حكاها عنه أبو عمرو الداني، وهي قراءة محبوب عن الحسن، ورواية أبي عبيدة عن أبي عمرو، ووجهه في العربية قوي لأن الفاء تقتضي الاستئناف، والكسر مختار لأنه لا يحتاج إلى إضمار، بخلاف الفتح. وقال الشاعر:
* فمن يك سائلا عني فإني * وجروة لا ترود ولا تعار * وعلى هذا يجوز في أن بعد فاء الجزاء وجهان: الفتح، والكسر. ذلك لأن كينونة النار له خالدا فيها هو الهوان
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»