المحرم، يقتضي وجود البيت حالة الدعاء، وسبقه قبله وتقدم الكلام في البيت ومتى وضع في البقرة، وفي آل عمران. ووصف بالمحرم لكونه حرم على الطوفان أي: منع منه، كما سمى بعتيق لأنه أعتق منه فلم يستول عليه، أو لكونه لم يزل عزيزا ممنعا من الجبابرة، أو لكونه محترما لا يحل انتهاكه. وليقيموا متعلق بأسكنت. وربنا دعاء معترض، والمعنى: إنه لا يخلو هذا البيت المعظم من العبادة. وقيل: هي لام الأمر، دعا لهم بإقامة الصلاة. وقال أبو الفرج بن الجوزي: اللام متعلقة بقوله: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ليقيموا الصلاة انتهى. وهذا بعيد جدا. وخص الصلاة دون سائر العبادات لأنها أفضلها، أو لأنها سبب لكل خير. وقوله: ليقيموا بضمير الجمع دلالة على أن الله أعلمه بأن هذا الطفل سيعقب هنالك، ويكون له نسل. وأفئدة: جمع فؤاد وهي القلوب، سمي القلب فؤاد لإتفاده مأخوذ من فأد، ومنه المفتأد، وهو مستوقد النار حيث يشوى اللحم. وقال مؤرج الأفئدة: القطع من الناس بلغة قريش، وإليه ذهب ابن بحر. قال مجاهد: لو قال إبراهيم عليه السلام: أفئدة الناس، لازدحمت على البيت فارس والروم. وقال ابن جبير: لحجته اليهود والنصارى. والظاهر أن من للتبعيض، إذ التقدير: أفئدة من الناس. قال الزمخشري: ويجوز أن تكون من للابتداء كقولك: القلب مني سقيم يريد قلبي، فكأنه قيل: أفئدة ناس، وإنما نكر المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة، لأنها في الآية نكرة لتتناول بعض الأفئدة انتهى. ولا يظهر كونها لابتداء الغاية، لأنها ليس لنا فعل يبتدأ فيه لغاية ينتهي إليها، إذ لا يصح ابتداء جعل الأفئدة من الناس، وإنما الظاهر في من التبعيض. وقرأ هشام: أفئدة بياء بعد الهمزة، نص عليه الحلواني عنه وخرج ذلك على الإشباع، ولما كان الإشباع لا يكون إلا في ضرورة الشعر حمل بعض العلماء هذه القراءة على أن هشاما قرأ بتسهيل الهمزة كالياء، فعبر الراوي عنها بالياء، فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة، والمراد بياء عوضا من الهمزة، قال: فيكون هذا التحريف من جنس التحريف المنسوب إلى من روى عن أبي عمرو: بارئكم ويأمركم، ونحوه بإسكان حركة لإعراب، وإنما كان ذلك اختلاسا. قال أبو عمرو والداني الحافظ: ما ذكره صاحب هذا القول لا يعتمد عليه، لأن النقلة عن هشام وأبي عمر وكانوا من أعلم الناس بالقراءة ووجوهها، وليس يفضي بم الجهل إلى أن يعتقد فيهم مثل هذا وقرئ آفدة: على وزن فاعلة، فاحتمل أن يكون اسم فاعل للحذف من أفد أي دنا وقرب وعجل أي: جماعة آفدة، أو جماعات آفدة، وأن يكون جمع ذلك فؤاد، ويكون من باب القلب، وصار بالقلب أأفدة، فأبدلت الهمزة الساكنة ألفا كما قالوا. في ارآم أأرام، فوزنه أعفلة. وقرئ أفدة على وزن فعله، فاحتمل أن يكون جمع فؤاد وذلك بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها وهو الفاء، وإن كان تسهيلها بين بين هو الوجه، وأن يكون اسم فاعل من أفد كما تقول: فرح فهو فرح. وقرأت أم الهيثم: أفودة بالواو المكسورة بدل الهمزة. قال صاحب اللوامح: وهو جمع وفد، والقراءة حسنة: لكني لا أعرف هذه المرأة، بل ذكرها أبو حاتم انتهى. أبدل الهمزة في فؤاد بعد الضمة كما أبدلت في جون، ثم جمع فأقرها في الجمع إقرارها في المفرد. وهو جمع وفد كما قال صاحب اللوامح، وقلب إذ الأصل أوفده. وجمع فعل على أفعلة شاذ نحو: نجد وأنجدة، ووهى وأوهية. وأم الهيثم امرأة نثل عنها شيء من لغات العرب. وقرأ زيد بن علي: إفادة على وزن إشارة. ويظهر أن الهمزة بدل من الواو المكسورة كما قالوا: اشاح في وشاح، فالوزن فعالة أي: فاجعل ذوي وفادة. ويجوز أن يكون مصدر أفاد إفادة، أو ذوي إفادة، وهم الناس الذين يفيدون وينتفع بهم. وقرأ الجمهور: تهوي إليهم أي تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقا ونزاعا، ولما ضمن تهوي معنى تميل عداه بإلى، وأصله أن يتعدى باللام. قال الشاعر:
* حتى إذا ما هوت كف الوليد بها * طارت وفي كفه من ريشها بتك *