إن كانت ما مصدرية عائد على الله تعالى، ويكون المصدر يراد به المسؤول. وإن كانت موصولة بمعنى الذي عاد عليها، والتقدير: من كل الذي سألتموه إياه. ولا يجوز أن يكون عائدا على الله. والرابط للصلة بالموصول محذوف، لأنك إن قدرته متصلا فيكون التقدير: ما سألتموهوه، فلا يجوز. أو منفصلا فيكون التقدير: ما سألتموه إياه، فالمنفصل لا يجوز حذف. والنعمة قال الواحدي: اسم أقيم مقام المصدر، يقال: أنعم إنعاما ونعمة، أقيم الاسم مقام الانعام كقولك: أنفقت إنفاقا ونفقة، ولذلك لم يجمع لأنه في معنى المصدر انتهى. والذي يظهر أن النعمة هو المنعم به، وأنه هو اسم جنس لا يراد به الواحد بل يراد به الجمع، كأنه قيل: وإن تعدوا نعمة الله ومعنى لا تحصوها، لا تحصروها ولا تطيقوا عدها، هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الإجمال. وأما التفصيل فلا يقدر عليه، ولا يعلمه إلا الله. وقال أبو الدرداء: من لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه، وحضر عذابه. والمراد بالإنسان هنا الجنس أي: توجد فيه هذه الخلال وهي: الظلم، والكفر، يظلم النعمة بإغفال شكرها، ويكفرها بجحدها. وقيل: ظلوم في الشدة فيشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. وفي النحل: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) * والفرق بين الختمين: أنه هنا تقدم قوله: ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وبعده، وجعلوا لله أندادا، فكان ذلك نصا على ما فعلوا من القبائح من كفران النعمة والظلم الذي هو الشرك، بجعل الأنداد ناسب أن يحتم بذم من وقع ذلك منه، فجاء أن الإنسان لظلوم كفار. وأما في النحل فلما ذكر عدة تفضلات، وأطنب فيها، وقال: * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * أي: من أوجد هذه النعم السابق ذكرها ليس كمن لا يقدر على الخلق ولا على شيء منه، ذكر من تفضلاته اتصافه بالعذاب والرحمة تحريضا على الرجوع إليه، وأن هاتين الصفتين هو متصف بهما، كما هو متصف بالخلق، ففي ذلك إطماع لمن آمن به. وانتقل من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق أنه يغفر زلله السابق ويرحمه، وأيضا فإنه لما ذكر أنه تعالى هو المتفضل بالنعم على الإنسان، ذكر ما حصل من المنعم، ومن جنس المنعم عل، فحصل من المنعم ما يناسبه حالة عطائه وهو الغفران والرحمة، إذ لولاهما لما أنعم عليه. وحصل من جنس المنعم عليه ما يناسبه حالة الإنعام عليه، وهو الظلم والكفران، فكأنه قيل: إن صدر من الإنسان ظلم فالله غفور، أو كفران نعمة فالله رحيم، لعلمه يعجز الإنسان وقصوره. ودعوى أن هذه الآية منسوخة بآية النحل لا يلتفت إليها، ونقل ذلك السخاوي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
2 (* (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هاذا البلد آمنا واجنبنى وبنى أن نعبد الا صنام * رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم * ربنآ إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلواة فاجعل أفئدة من الناس تهوىإليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنآ إنك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شىء فى الا رض ولا فى السمآء * الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربى لسميع الدعآء * رب اجعلنى مقيم الصلواة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعآء * ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب * ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار