تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٢٤
تحسين، للسامع الذي يمكن منه حسبان مثل هذا لجهله بصفات الله، لا للرسول صلى الله عليه وسلم)، فإنه مستحيل ذلك في حقه. وفي هذه الآية وعيد عظيم للظالمين، وتسلية للمظلومين. وقرأ طلحة: ولا تحسب بغير نون التوكيد، وكذا فلا تحسب الله مخلف وعده. والمراد بالنهي عن حسبانه غافلا الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون، لا يخفى عليه منه شيء، وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله: * (والله بما تعملون عليم) * يريد الوعيد. ويجوز أن يراد: ولا تحسبنه، يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير. وقرأ السلمي والحسن، والأعرج، والمفضل، عن عاصم وعباس بن الفضل، وهارون العتكي، ويونس بن حبيب، عن أبي عمر: ونؤخرهم بنون العظمة، والجمهور بالياء أي: يؤخرهم الله. مهطعين مسرعين، قاله: ابن جبير وقتادة. وذلك بذلة واستكانة كإسراع الأسير والخائف. وقال ابن عباس، وأبو الضحى: شديدي النظر من غير أن يطرقوا. وقال ابن زيد: غير رافعي رؤوسهم. وقال مجاهد: مد يمين النظر. وقال الأخفش: مقبلين للإصغاء، وأنشد:
بدجاة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع. وقال الحسن: مقنعي رؤوسهم وجوه الناس يومئذ إلى السماء، لا ينظر أحد إلى أحد انتهى. وقال ابن جريج: هواء صفر من الخير خاوية منه. وقال أبو عبيدة: جوف لا عقول لهم. وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد: خربة خاوية ليس فيها خير ولا عقل. وقال سفيان: خالية إلا من فزع ذلك اليوم كقوله: وأصبح فؤاد أم موسى فارغا، أي: إلا من هم موسى. وهواء تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة، فهي منحرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي حناجرهم، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدا في اضطراب. وحصول هذه الصفات الخمس للظالمين قبل المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله: يوم يقوم الحساب. وقيل: عند إجابة الداعي، والقيام من القبور. وقيل: عند ذهاب السعداء إلى الجنة، والأشقياء إلى النار.
* (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا) *: هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم). ويوم منصوب على أنه مفعول ثان لا نذر، ولا يصح أن يكون ظرفا، لأن ذلك اليوم ليس بزمان للإنذار، وهذا اليوم هو يوم القيامة والمعنى: وأنذر الناس الظالمين، ويبين ذلك قوله: فيقول الذين ظلموا، لأن المؤمنين يبشرون ولا ينذرون. وقيل: اليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات، ولقاء الملائكة بلا بشرى كقوله: * (لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق) * ومعنى التأخر إلى أجل قريب الرد إلى الدنيا قاله الضحاك، إذ الإمهال إلى أمد وحد من الزمان قريب قاله السدي، أي: لتدارك ما فرطوا من إجابة الدعوة، واتباع الرسل. أو لم تكونوا هو على إضمار القول والظاهر أن التقدير فيقال لهم، والقائل الملائكة، أو القائل الله تعالى. يوبخون بذلك، ويذكرون مقالتهم في إنكار البعث، وإقسامهم على ذلك كما قال تعالى:
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»