تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال أي: لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة، ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله انتهى. ولما أطال تعالى الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء، وكان حصول السعادة بمعرفة الله وصفاته، والشقاوة بالجهل، بذلك ختم وصفه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته فقال: الله الذي خلق السماوات والأرض وذكر عشرة أنواع من الدلائل فذكر أولا إبداعه وإنشاء السماوات والأرض، ثم أعقب بباقي الدلائل، وأبرزها في جمل مستقلة ليدل وينبه على أن كل جملة منها مستقلة في الدلالة، ولم يجعل متعلقاتها معطوفات عطف المفرد على المفرد، والله مرفوع على الابتداء، والذي خبره. قال ابن عطية: ومن أخبر بذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق انتهى. يشير إلى ما تقدم من قوله: إن معمول قل هو قوله تعالى الله الذي خلق السماوات والأرض الآية. فكأنه يقول: يقيموا الصلاة، جواب لقوله: قل لعبادي الله الذي خلق السماوات والأرض. والظاهر أن مفعول أخرج هو رزقا لكم، ومن للتبعيض. ولما تقدم على النكرة كان في موضع الحال، ويكون المعنى: إن الرزق هو بعض جنى الأشجار، ويخرج منها ما ليس برزق كالمجرد للمضرات. ويجوز أن تكون من لبيان الجنس قاله ابن عطية والزمخشري، وكأنه قال: فأخرج به رزقا لكم هو الثمرات. وهذا ليس بجيد، لأن من التي لبيان الجنس إنما تأتي بعد المبهم الذي تبينه. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول أخرج، ورزقا حالا من المفعول، أو نصبا على المصدر من أخرج، لأنه في معنى رزق. وقيل: من زائدة، وهذا لا يجوز عند جمهور البصريين، لأن ما قبلها واجب، وبعدها معرفة، ويجوز عند الأخفش. والفلك هنا جمع فلك، ولذلك قال: لتجري. ومعنى بأمره: راجع إلى الأمر القائم بالذات. وقال الزمخشري: لقوله، كن.
* وانطوى في تسخير الفلك تسخير البحار، وتسخير الرياح. وأما تسخير الأنهار فبجريانها وبتفجيرها للانتفاع بها. وانتصب دائبين على الحال والمعنى: يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات، عن مقاتل بن حبان يرفعه إلى ابن عباس أنه قال: معناه دائبين في طاعة الله. قال ابن عطية: وهذا قول إن كان يراد به أن الطاعة انقياد منهما في التسخير، فذلك موجود في قوله: سخر، وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر فهذا جيد، والله أعلم انتهى. وتسخير الليل والنهار كونهما يتعاقبان خلفه للمنام والمعاش. وقال المتكلمون: تسخير الليل والنهار مجاز، لأنهما عرضان، والاعراض لا تسخر. ولما ذكر تعالى تلك النعم العظيمة، ذكر أنه لم يقتصر عليها فقال: وآتاكم من كل ما سألتموه، والخطاب للجنس من البشر أي: أي الإنسان قد أوتي من كل ما شأن أن يسأل وينتفع به، ولا يطرد هذا في كل واحد واحد من الناس، وإنما تفرقت هذه النعم في البشر فيقال: بحسب هذا الجميع أوتيتم كذا على جهة التقرير للنعمة.
وقرأ ابن عباس، والضحاك، والحسن، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وعمرو بن قائد، وقتادة، وسلام، ويعقوب، ونافع في رواية: من كل بالتنوين، أي: من كل هذه المخلوقات المذكورات. وما موصولة مفعول ثان أي: ما شأنه أن يسأل بمعنى يطلب الانتفاع به. وقيل: ما نافية، والمفعول الثاني هو من كل كقوله: * (وأوتيت من كل شىء) * أي غير سائليه. أخبر بسبوغ نعمته عليهم بما لم يسألوه من النعم، ولم يعرض لما سألوه. والجملة المنفية في موضع نصب على الحال، وهذا القول بدأ به الزمخشري، وثنى به ابن عطية وقال: إنه تفسير الضحاك. وهذا التفسير يظهر أنه مناف لقراءة الجمهور من كل ما سألتموه بالإضافة، لأن في تلك القراءة على ذلك التخريج تكون ما نافية، فيكونون لم يسألوه. وفي هذه القراءة يكونون قد سألوه، وما بمعنى الذي. وأجيز أن تكون مصدرية، ويكون المصدر بمعنى المفعول. ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة وبين تلك على تقدير أن ما نافية قال: ويجوز أن تكون ما موصولة على وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلح أحوالكم ومعائشكم إلا به، فكأنكم سألتموه، أو طلبتموه بلسان الحال. فتأول سألتموه بقوله: ما احتجتم إليه. والضمير في سألتموه