* (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) * ومعنى ما لكم من زوال، من الأرض بعد الموت أي: لا نبعث من القبور. وقال محمد بن كعب: إن هذا القول يكون منهم وهم في النار، ويرد عليهم: أو لم تكونوا، ومعناه التوبيخ والتقريع. وقال الزمخشري أو لم تكونوا أقسمتم على إرادة القول، وفيه وجهان: أن يقولوا ذلك بطرا وأشرا، ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه. وأن يقولوا بلسان الحال حيث بنوا شديدا، وأملوا بعيدا. وما لكم جواب القسم، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله: أقسمتم، ولو حكى لفظ المقسمين لقيل: ما لنا من زوال، والمعنى: أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزولون بالموت والفناء، وقيل: لا تنتقلون إلى دار أخرى انتهى. فجعل الزمخشري أو لم تكونوا محكيا بقولهم، وهو مخالف لما قد بيناه من أنه يقال لهم ذلك، وقوله: لا يزولون بالموت والفناء ليس بجيد، لأنهم مقرون بالموت والفناء. وقوله هو قول مجاهد. وسكنتم إن كان من السكون، فالمعنى: أنهم قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين بسيرة من قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدثونها بما لقي الظالمون قبلهم. وإن كان من السكنى، فإن السكنى من السكون الذي هو اللبث، والأصل تعديته بفي كما يقال: أقام في الدار وقر فيها، ولكنه لما أطلق على سكون خاص تصرف فيه، فقيل: سكن الدار كما قيل: تبوأها، وتبين لكم بالخبر وبالمشاهدة ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام. وقرأ الجمهور: وتبين فعلا ماضيا، وفاعله مضمر يدل عليه الكلام أي: وتبين لكم هو أي حالهم، ولا يجوز أن يكون الفاعل كيف، لأن كيف إنما تأتي اسم استفهام أو شرط، وكلاهما لا يعمل فيه ما قبله، إلا ما روي شاذا من دخول على علي كيف في قولهم: على كيف تبيع الأحمرين، وإلى في قولهم: أنظر إلى كيف تصنع، وإنما كيف هنا سؤال عن حال في موضع نصب بفعلنا. وقرأ السلمي فيما حكى عنه أبو عمرو الداني: ونبين بضم النون، ورفع النون الأخيرة مضارع بين، وحكاها صاحب اللوامح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك على إضمار ونحن نبين، والجملة حالية. وقال المهدوي عن السلمي: إنه قرأ كذلك، إلا أنه جزم النون عطفا على أو لم تكونوا أي: ولم نبين فهو مشارك في التقرير. وضربنا لكم الأمثال أي: صفات ما فعلوا وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم.
* (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال * فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام * يوم تبدل الارض غير الارض * والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار * وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الاصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار * ليجزى الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب * هاذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إلاه واحد وليذكر أولوا الالباب) *: الظاهر أن الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله: * (أو لم * تكونوا أقسمتم من قبل) * أي مكروا بالشرك بالله، وتكذيب الرسل. وقيل: الضمير عائد على قوم الرسول كقوله: * (وأنذر الناس) * أي: وقد مكر قومك يا محمد، وهو الذي في قوله: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * الآية ومعنى مكرهم أي: المكر العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم، والظاهر أن هذا إخبار من الله لنبيه بما صدر منهم في الدنيا، وليس مقولا في الآخرة. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة للظلمة الذين سكن في منازلهم. وعند الله مكرهم أي: علم مكرهم فهو مطلع عليه، فلا ينفذ لهم فيه قصدا، ولا يبلغهم فيه أملا أو جزاء مكرهم، وهو عذابه لهم. والظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل، كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل: وعند الله ما مكروا أي مكرهم. وقال الزمخشري: أو يكون مضافا إلى المفعول على معنى: وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقونه، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون انتهى. وهذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قال هو، إذ قدر يمكرهم به، والمحفوظ أن مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه. قال تعالى: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا) * وتقول: زيد ممكور به، ولا يحفظ زيد ممكور بسبب كذا.
وقرأ الجمهور: وإن كان بالنون. وقرأ عمرو، وعلي، وعبد الله، وأبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وزيد بن علي: وإن كاد بدال مكان النون