تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤١٠
هو من كلام الخزنة يوم ذاك. وقيل: من كلام الله تعالى. ولأبي عبد الله الرازي كلام هنا في الشيطان والملائكة يوقف عليه من تفسيره.
* (وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) *: لما جمع الفريقين في قوله: * (وبرزوا لله جميعا) * وذكر شيئا من أحوال الكفار، ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة. وقرأ الجمهور: وأدخل ماضينا مبنيا للمفعول. وقرأ الحسن، وعمرو بن عبيد : وأدخل بهمزة المتكلم مضارع أدخل أي: وأدخل أنا. وعلى قراءة الجمهور يحتمل أن يكون الفاعل الملائكة، والظاهر تعلق بإذن ربهم بأدخل. وقال الزمخشري: (فإن قلت): فبم يتعلق يعني بإذن ربهم في القراءة الأخرى، وقولك وأدخلهم أنا بإذن ربهم كلام غير ملئتم؟ (قلت): الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله بإذن ربهم بما بعده أي: تحيتهم فيها سلام. بإذن ربهم يعني: أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم انتهى. فظاهر كلامه أن بإذن ربهم معمول لقوله: تحيتهم، ولذلك قال: يعني أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم، وهذا لا يجوز، لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري والفعل عليه، وهو غير جائز. وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي الحسن: أدخل برفع اللام على الاستقبال بإخبار الله تعالى عن نفسه، فيصير بذلك بإذن ربهم ألطف لهم وأحنى عليهم، وتقدم تفسير * (تحيتهم فيها سلام) * في أوائل سورة يونس.
* (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء * تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار * يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت فى الحيواة الدنيا وفى الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) *: تقدم الكلام في ضرب مع المثل في أوائل البقرة، فكان يغني ذلك عن الكلام فيه هنا، إلا أن المفسرين أبدوا هنا تقديرات، فأعرب الحوفي والمهدوي وأبو البقاء مثلا مفعولا بضرب، وكلمة بدل من مثلا. وإعرابهم هذا تريع، على أن ضرب مثل لا يتعدى لا إلى مفعول واحد. وقال ابن عطية: وأجازه الزمخشري مثلا مفعول بضرب، وكلمة مفعول أول تفريعا على أنها مع المثل تتعدى إلى اثنين، لأنها بمعنى جعل. وعلى هذا تكون كشجرة خبر مبتدأ محذوف أي: جعل كلمة طيبة مثلا هي أي: الكلمة كشجرة طيبة، وعلى البدل تكون كشجرة نعتا للكلمة. وأجاز الزمخشري: وبدأ به أن تكون كلمة نصبا بمضمر أي: جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وهو تفسير لقوله: ضرب الله مثلا، كقولك: شرف الأمير زيدا كساه حلة، وحمله على رس انتهى. وفيه تكلف إضمار لا ضرورة تدعو إليه.
وقرئ شاذا كلمة طيبة بالرفع. قال أبو البقاء: على الابتداء، وكشجرة خبره انتهى. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير: هو أي المثل كلمة طيبة كشجرة، وكشجرة نعت لكمة، والكلمة الطيبة هي: لا له إلا الله قاله ان عباس، أو الإيمان قاله مجاهد وابن جريج، أو المؤمن نففسع قاله عطية العوفي والربيع، أو جميع طاعاته أو القرآن قاله الأصم، أو دعوة الإسلام قاله ابن بحر، أو الثناء على الله أو التسبيح والتنزيه والشجرة الطيبة المؤمن قاله ابن عباس، أو جوزة الهند قاله على وابن عباس، أو شجرة في الجنة قاله ابن عباس أيضا، أو النخلة وعليه أكثر المتأولين وهو قول: ابن مسعود، وابن عباس، وأنس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وابن زيد، وجاء ذلك نصا من حديث ابن عمر مما خرجه الدارقطني عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر الآية فقال: (أتدرون ما هي فوقع في نفسي أنها النخلة) الحديث. وقال أبو العالية: أتيت أنس بن مالك فجيء بطبق عليه رطب فقال أنس: كل يا أبا العالية، فإنها الشجرة الطيبة التي ذكرها الله في كتابه ثم قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بصاع بسر فتلا هذه الآية. وفي الترمذي من حديث أنس نحو هذا. وقال
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 ... » »»