تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٢٨
قال ابن عطية: وسمعت من أبي رضي الله عنه روى أن التبديل يقع في الأرض، ولكن تبدل لكل فريق بما يقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكونون على فضة إن صح السند بها، وفريق الكفرة يكونون على نار ونحو هذا، وكله واقع تحت قدرة الله تعالى. وفي الحديث: (المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش، وفيه أنهم ذلك الوقت على الصراط) وقال أبو عبد الله الرازي: المراد من تبديل الأرض والسماوات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم، ويجعل السماوات الجنة، والدليل عليه قوله تعالى: * (عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين كلا إن كتاب الفجار لفى سجين) * وقوله: * (كلا إن كتاب الابرار لفى عليين) * انتهى. وكلامه هذا يدل على أن الجنة والنار غير مخلوقتين، وظاهر القرآن والحديث أنهما قد خلقتا، وصح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) اطلع عليهما، ولا يمكن أن يطلع عليهما حقيقة إلا بعد خلقهما.
* وبرزوا: أي ظهر. وألا يواريهم بناء ولا حصن، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري، أو معمولا لمخلف وعده. وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي. وقال أبو البقاء: لا يجوز أن يكون ظرفا فالمخلف ولا لوعده، لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعدها، ولكن جوز أن يلحق من معنى الكلام ما يعمل في الظرف أي: لا يخلف وعده يوم تبدل انتهى. وإذا كان إن وما بعدها اعتراضا، لم يبال أنه فصلا بين العامل والمعمول، أو معمولا لانتقام قاله: الزمخشري، والحوفي، وأبو البقاء، أولا ذكر قاله أبو البقاء. وقرئ: نبدل بالنون الأرض بالنصب، والسماوات معطوف على الأرض، وثم محذوف أي: غير السماوات، حذف لدلالة ما قبله عليه. والظاهر استئناف. وبرزوا. وقال أبو البقاء يجوز أن يكون حالا من الأرض، وقد معه مزادة. ومعنى لله: لحكم الله، أو لموعوده من الجنة والنار. وقرأ زيد بن علي: وبرزوا بضم الباء وكسر الراء مشددة جعله مبنيا للمفعول على سبيل التكثير بالنسبة إلى العالم وكثرتهم، لا بالنسبة إلى تكرير الفعل. وجئ بهذين الوصفين وهما: الواحد وهو الواحد الذي لا يشركه أحد في ألوهيته، ونبه به على أن آلهتهم في ذلك اليوم لا تنفع. والقهار وهو الغالب لكل شيء، وهذا نظير قوله تعالى: * (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) *. وترى المجرمين يومئذ يوم إذ تبدل، وبرزوا مقرنين مشدودين في القرن أي: مقرون بعضهم مع بعض في القيود والأغلال، أو مع شياطينهم، كل كافر مع شيطانه في غل أو تقرن أيديهم إلى أرجلهم مغللين. والظاهر تعلق في الأصفاد بقوله: مقرنين أي: يقرنون في الأصفاد. ويجوز أن يكون في موضع الصفة لمقرنين، وفي موضع الحال، فيتعلق بمحذوف كأنه قيل: مستقرين في الأصفاد. وقال الحسن: ما في جهنم واد، ولا مفازة، ولا قيد، ولا سلسلة، إلا اسم صاحبه مكتوب عليه.
وقرأ علي، وأبو هريرة، وابن عباس، وعكرمة، وابن جبير، وابن سيرين، والحسن، بخلاف عنه. وسنان بن سلمة بن المحنق، وزيد بن علي، وقتادة، وأبو صالح، والكلبي، وعيسى الهمداني، وعمرو بن فائد، وعمرو بن عبيد من قطر بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، أن اسم فاعل من أني صفة لقطر. قيل: وهو القصدير، وقيل: النحاس. وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: ليس بالقطران، ولكنه النحاس يصير بلونه. والآتي الذائب الحار الذي قد تناهى حره. قال الحسن: قد سعرت عليه جهنم منذ خلقت، فتناهى حره. وقال ابن عباس: أي آن أن يعذبوا به يعني: حان تعذيبهم به. وقال الزمخشري: ومن شأنه. أي: القطران، أن يسرع فيه اشتعال النار، وقد يستسرج به، وهو أسود اللون منتن الريح، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص، لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح. على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكل ما وعده الله، أو أوعد به في الآخرة، فبينه وبين ما يشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه انتهى. وقرأ عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب: من قطران بفتح القاف وإسكان الطاء، وهو في شعر أبي النجم قال: لبسنه القطران والمسوحا
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»