أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شىء قالوا (سقط: لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبر نا ما لنا من محيص) *: قرأ السلمي ألم تر بسكون الراء، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف. وتوجيه آخر وهو أن ترى حذفت العرب ألفها في قولهم: قام القوم ولو تر ما زيد، كما حذفت ياء لا أبالي في لا أبال، فلما دخل الجازم تخيل أن الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في: لا أبالي لم أبل، تخيلوا اللام آخر الكلمة. والرؤية هنا بمعنى العلم، فهي من رؤية القلب. وقرأ الإخوان: خالق اسم فاعل، والأرض بالخفض. قرأ باقي السبعة: خلق فعلا ماضيا، والأرض بالفتح. ومعنى بالحق قال الزمخشري: بالحكمة، والغرض الصحيح، والأمر العظيم، ولم يخلقها عبثا ولا شهوة. وقال ابن عطية: بالحق أي بما يحق من جهة مصالح عباده، وإنفاذ سابق قضائه، وليدل عليه وعلى قدرته. وقيل: بقوله وكلامه. وقيل: بالحق حال أي محقا، والظاهر أن قوله: يذهبكم، خطاب عام للناس. وعن ابن عباس: خطاب للكفار. ويأت بخلق جديد: يحتمل أن يكون المعنى: إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بناس آخرين من جنسكم آدميين، ويحتمل من غير جنسكم. والأول قول جمهور المفسرين، وتقدم نحو هذين الاحتمالين للمفسرين في قوله في النساء: * (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت باخرين) * وبينا في ذلك أنه لا يحتمل إلا الوجه الأول. وما ذلك أي: وما ذهابكم والإتيان بخلق جديد بممتنع ولا متعذر عليه تعالى، لأنه تعالى هو القادر على ما يشاء. وقال الزمخشري: لأنه قادر الذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، فإذا خلص له الداعي إلى شيء، وانتفى الصارف، تكون من غير توقف كتحريك أصبعك. وإذا دعا إليه داع ولم يعترض من دونه صارف انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال لقوله: القادر، لأنهم يثبتون القادرية وينفون القدرة، ولتشبيه فعله تعالى بفعل العبد في قوله: كتحريك أصبعك. وعندنا أن تحريك أصبعنا ليس إلا بقدرة الله تعالى، وأن ما نسب إلينا من القدرة ليس مؤثرا في إيجاد شيء.
وقال الزمخشري أيضا: وهذه الآية بيان لإبعادهم في الضلال، وعظيم خطبهم في الكفر بالله، لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة، وحكمته البالغة، وأنه هو الحقيق بأن يعبد ويخاف عقابه، ويرجى ثوابه في دار الجزاء انتهى. وبرزوا: أي ظهروا من قبورهم إلى جزاء الله وحسابه. وقال الزمخشري: ومعنى بروزهم الله، والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أن ذلك خاف على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم، وعلماء أن الله لا تخفى عليه خافية. وقال ابن عطية: وبرزوا معناه صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة، فاستعير ذلك لجميع يوم القيامة. وقال أبو عبد الله الرازي: تأويل الحكماء أن النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت متجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها، وذلك هو البروز لله تعالى. وهذا الرجل كثيرا ما يورد كلام الفلاسفة وهم مباينون لأهل الشرائع في تفسير كلام الله تعالى المنزل بلغة العرب، والعرب لا تفهم شيئا من مفاهيم أهل الفلسفة، فتفسيرهم كاللغز والإحاجي، ويسميهم هذا الرجل حكماء، وهم من أجهل الكفرة بالله تعالى وبأنبيائه. والضمير في وبرزوا عائد على الخلق المحاسبين، وعبر بلفظ الماضي لصدق المخبر به، فكأنه قد وقع. وقرأ زيد بن علي: وبرزوا مبنيا للمفعول، وبتشديد الراء. والضعفاء: الأتباع، والعوام. وكتب بواو في المصحف قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ومثله علموا بني إسرائيل. والذين استكبروا: هم رؤساؤهم وقاداتهم، استغفروا الضعفاء واستتبعوهم. واستكبروا وتكبروا، وأظهروا تعظيم أنفسهم. أو استكبروا عن اتباع الرسل وعبادة الله. وتبعا: يحتمل أن يكون اسم جمع لتابع، كخادم وخدم، وغائب وغيب. ويحتمل أن يكون مصدرا كقوله: عدل ورضا. وهل أنتم مغنون؟ استفهام معناه توبيخهم إياهم وتقريعهم، وقد علموا أنهم لن يغنوا والمعنى: