مستعار للصفة التي فيها غرابة، وأعمالهم كرماد جملة مستأنفة على تقدير سؤال كأنه قيل: كيف مثلهم؟ فقيل: أعمالهم كرماد، كما تقول: صفة زيد عرضه مصون، وماله مبذول. وقال ابن عطية: ومذهب الكسائي والفراء أنه على إلغاء مثل، وأن المعنى: الذين كفروا أعمالهم كرماد. وقال الحوفي: مثل رفع بالابتداء، وأعمالهم بدل من مثل بدل اشتمال. كما قال الشاعر:
* ما للجمال مشيها وئيدا * أجند لا يحملن أم حديدا * وكرماد الخبر. وقال الزمخشري: أو يكون أعمالهم بدلا من مثل الذين كفروا على تقدير: مثل أعمالهم، وكرماد الخبر. وقال ابن عطية: وقيل هو ابتداء، وأعمالهم ابتداء ثان، وكرماد خبر للثاني، والجملة خبر الأول. وهذا عندي أرجح الأقوال، وكأنك قلت: المتحصل مثالا في النفس للذين كفروا هذه الجملة المذكورة وهي أعمالهم في فسادها وقت الحاجة، وتلاشيها كالرماد الذي تذروه الريح، وتفرقه بشدتها حتى لا يبقى له أثر، ولا يجتمع منه شيء انتهى. وهذا القول الذي رجحه ابن عطية قاله الحوفي، وهو لا يجوز، لأن الجملة الواقعة خبرا عن المبتدأ الأول الذي هو مثل عارية من رابط يعود على المثل، وليست نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط. وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام، وعتق الرقاب، وفداء الأسارى، وعقر الإبل للأضياف، وإغاثة الملهوفين، والإجارة، وغير ذلك. شبهها في حبوطها وذهابها هباءا منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله والإيمان به، وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف. وقرأ نافع، وأبو جعفر: الرياح على الجمع، والجمهور على الأفراد. ووصف اليوم بقوم عاصف، وإن كان من صفة الريح على سبيل التجوز، كما قالوا: يوم ما حل وكيل نائم. وقال الهروي: التقدير في يوم عاصف الريح، فحذف لتقدم ذكرها كما قال الشاعر:
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف يريد كاسف الشمس. وقيل: عاصف من صفة الريح، إلا أنه لما جاء بعد اليوم اتبع إعرابه كما قيل: جحر ضب خرب، يعني: إنه خفض على الجوار. وقرأ ابن أبي إسحاق، وإبراهيم بن أبي بكر عن الحسن: في يوم عاصف على إضافة اليوم لعاصف، وهو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، تقديره: في يوم ريح عاصف. وتقدم تفسير العصوف في يونس في قوله: * (جاءتها ريح عاصف) * وعلى قول من أجاز إضافة الموصوف إلى صفته يجوز أن تكون القراءة منه: لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء، أي: لا يرون له أثرا من ثواب، كما لا يقدر من الرماد المطير بالريح على شيء. وقيل: لا يقدرون من ثواب ما كسبوا، هو على حذف مضاف. وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه؟ قال: (لا ينفعه لأنه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) وفي الصحيح أيضا: (إن الكافر ليطعم بحسناته في الدنيا ما عمل لله منها) ذلك إشارة إلى كونهم بهذه الحال. وعلى مثل هذا الغرر البعيد الذي يعمق فيه صاحبه، وأبعد عن طريق النجاة، والبعيد عن الحق، أو الثواب. وفي البقرة: * (لا يقدرون مما كسبوا) * على شيء من التفنن في الفصاحة، والمغايرة في التقديم والتأخير، والمعنى واحد.
* (ألم تر أن الله خلق * السماوات والارض بالحق إن * يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما * ذالك على الله بعزيز * وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل