كان يتعدى إلى اثنين جازت إضافته إلى كل واحد منهما، فينتصب ما تأخر. وأنشد بعضهم نظيرا له قول الشاعر:
* ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه * وسائره باد إلى الشمس أجمع. وقال أبو البقاء: هو قريب من قولهم: يا سارق الليلة أهل الدار. وقال الفراء وقطرب: لما تعدى الفعل إليهما جميعا لم يبال بالتقديم والتأخير. وقال الزمخشري: (فإن قلت): هلا قيل مخلف رسله وعده، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ (قلت): قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا لقوله: * (إن الله لا يخلف الميعاد) * ثم قال: رسله، ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا، وليس من شأنه إخلاف المواعيد، كيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته؟ انتهى. وهو جواب على طريقة الاعتزال في أن وعد الله واقع لا محالة، فمن وعده بالنار من العصاة لا يجوز أن يغفر له أصلا. ومذهب أهل السنة أن كل ما وعد من العذاب للعصاة المؤمنين هو مشروط إنفاذه بالمشيئة. وقيل: مخلف هنا متعد إلى واحد كقوله: * (لا يخلف الميعاد) * فأضيف إليه، وانتصب رسله بوعده إذ هو مصدر ينحل بحرف مصدري والفعل كأنه قال: مخلف ما وعد رسله، وما مصدرية، لا بمعنى الذي. وقرأت فرقة: مخلف وعده رسله بنصب وعده، وإضافة مخلف إلى رسله، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وهو كقراءة. قتل أولادهم شركائهم، وتقدم الكلام عليه مشبعا في الأنعام. وهذه القراءة تؤيد إعراب الجمهور في القراءة الأولى، وأنه مما تعدى فيه مخلف إلى مفعولين. إن الله عزيز لا يمتنع عليه شيء ولا يغالب ذو انتقام من الكفرة لا يعفو عنهم. والتبديل يكون في الذات أي: تزول ذات وتجيء أخرى. ومنه: * (بدلناهم جلودا غيرها) * * (وبدلناهم بجناتهم جنتين) * ويكون في الصفات كقولك: بدلت الحلقة خاتما، فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل. واختلفوا في التبديل هنا، أهو في الذات، أو في الصفات، فقال ابن عباس: تمد كما يمد الأديم، وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها، وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتبدل السماوات بتكوير شمسها، وانتثار كواكبها، وانشقاقها، وخسوف قمرها. وقال ابن مسعود: تبدل الأرض بأرض كالفضة نقية لم يسفك فيها دم، ولم يعمل فيها خطيئة. وقال على تلك الأرض من فضة والجنة من ذهب. وقال محمد بن كعب وابن جبير: هي أرض من خبز يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم، وجاء هذا مرفوعا. وقيل: تصير نارا والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها. وقال أبي: تصير السماوات حقابا. وقيل: تبديلها طيها. وقيل: مرة كالمهل، ومرة وردة كالدهان، قاله ابن الأنباري. وقيل: بانشقاقها فلا تظل. وفي الحديث: * (إن الله * يبدل * هاذه * الارض) * وفي كتاب الزمخشري وعن علي: تبدل أرضا من فضة، وسموات من ذهب. وعن الضحاك: أرضا من فضة بيضاء كالصحائف. وعن ابن عباس: هي تلك الأرض وإنما تغير، وأنشد:
وما الناس بالناس الذين عهدتهمولا الدار بالدار التي كنت تعلم.