تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٣
وقتادة والضحاك: الذين شرعوا النسيء هم بنو مالك من كنانة وكانوا ثلاثة. وعن ابن عباس: إن أول من فعل ذلك عمرو بن لحي، وهو أول من سيب السوائب، وغير دين إبراهيم. وقال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة. والمواطأة: الموافقة، أي ليوافقوا العدة التي حرم الله وهي الأربعة ولا يخالفونها، وقد خالفوا التخصيص الذي هو أصل الواجبين. والواجبان هما العدد الذي هو أربعة في أشخاص أشهر معلومة وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة والمحرم كما تقدم. ويقال: تواطؤا على كذا إذا اجتمعوا عليه، كان كل واحد منهم يطأ حيث يطأ صاحبه. ومنه الإيطاء في الشعر، وهو أن يأتي في الشعر بقافيتين على لفظ واحد ومعنى واحد، وهو عيب إن تقارب. واللام في ليواطئوا متعلقة بقوله: ويحرمونه، وذلك على طريق الأعمال. ومنن قال: إنه متعلق بيحلونه ويحرمونه معا، فإنه يريد من حيث المعنى، لا من حيث الإعراب. قال ابن عطية: ليحفظوا في كل عام أربعة أشهر في العدد، فأزالوا الفضيلة التي خص الله بها الأشهر الحرم وحدها، بمثابة أن يفطر رمضان، ويصوم شهرا من السنة بغير مرض أو سفر انتهى. وقرأ الأعمش وأبو جعفر: ليواطيوا بالياء المضمومة لما أبدل من الهمزة ياء عامل البدل معاملة المبدل منه، والأصح ضم الطاء وحذف الياء لأنه أخلص الهمزة ياء خالصة عند التخفيف، فكنت لاستثقال الضمة عليها، وذهبت لالتقاء الساكنين، وبدلت كسرة الطاء ضمة لأجل الواو التي هي ضمير الجماعة كما قيل في رضيوا رضوا. وجاء عن الزهري: ليواطيوا بتشديد الياء، هكذا الترجمة عنه. قال صاحب اللوامح: فإن لم يرد به شدة بيان الياء وتخليصها من الهمز دون التضعيف، فلا أعرف وجهه انتهى. فيحلوا ما حرم الله أي بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله تعالى من القتال، أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها. وقرأ الجمهور: زين لهم سوء أعمالهم مبنيا للمفعول. والأولى أن يكون المنسوب إليه التزيين الشيطان، لأن ما أخبر به عنهم سيق في المبالغة في معرض الذم. وقرأ زيد بن علي: زين لهم سوء بفتح الزاي والياء والهمزة، والأولى أن يكون زين لهم ذلك الفعل سوء أعمالهم. قال الزمخشري: خذلهم الله تعالى فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة. والله لا يهدي أي: لا يلطف بهم، بل يخذلهم انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال.
وقال أبو علي: لا يهديهم إلى طريق الجنة والثواب. وقال الأصم: لا يحكم لهم بالهداية. وقيل: لا يفعل بهم خيرا، والعرب تسمي كل خير هدى، وكل شر ضلالة انتهى. وهذا إخبار عمن سبق في علمه أنهم لا يهتدون.
* (الكافرين ياأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحيواة الدنيا من الاخرة) *: لما أمر الله رسوله بغزاة تبوك، وكان زمان جدب وحر شديد وقد طابت الثمار، عظم ذك على الناس وأحبوا المقام، نزلت عتابا على من تخلف عن هذه الغزوة، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، غزا فيها الروم في عشرين ألفا من راكب وراجل، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون. وخص الثلاثة بالعتاب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة، إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم، وكان تخلفهم لغير علة حسبما يأتي إن شاء الله تعالى. ولما شرح معاتب الكفار رغب في مقابلتهم. وما لكم استفهام معناه الإنكار والتقريع، وبني قيل للمفعول، والقائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم) لم يذكر إغلاظا ومخاشنة لهم وصونا لذكره. إذ أخلد إلى الهوينا والدعة: من أخلد وخالف أمره صلى الله عليه وسلم).
وقرأ الأعمش: تثاقلتم وهو أصل قراءة الجمهور اثاقلتم، وهو ماض بمعنى المضارع، وهو في موضع الحال، وهو عامل في إذ أي: ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا. وقال أبو البقاء: الماضي هنا بمعنى
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»