المضارع أي: ما لكم تتثاقلون، وموضعه نصب. أي: أي شيء لكم في التثاقل، أو في موضع جر على مذهب الخليل انتهى. وهذا ليس بجيد، لأنه يلزم منه حذف أن، لأنه لا ينسبك مصدر إلا من حرف مصدري والفعل، وحذف أن في نحو هذا قليل جدا أو ضرورة. وإذا كان التقدير في التثاقل فلا يمكن عمله في إذا، لأن معمول المصدر الموصول لا يتقدم عليه فيكون الناصب لإذا، والمتعلق به في التثاقل ما هو معلوم لكم الواقع خبرا لما. وقرئ: اثاقلتم على الاستفهام الذي معناه الإنكار والتوبيخ، ولا يمكن أن يعمل في إذ ما بعد حرف الاستفهام. فقال الزمخشري: يعمل فيه ما دل عليه، أو ما في ما لكم من معنى الفعل، كأنه قال: ما تصنعون إذا قيل لكم، كما تعمله في الحال إذا قلت: ما لك قائما. والأظهر أن يكون التقدير: ما لكم تتثاقلون إذا قيل لكم انفروا، وحذف لدلالة اثاقلتم عليه. ومعنى اثاقلتم إلى الأرض: ملتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمارها قاله مجاهد وكرهتم مشاق السفر. وقيل ملتم إلى الإقامة بأرضكم قاله: الزجاج. ولما ضمن معنى الميل والإخلاد عدى بإلى. وفي قوله: أرضيتم، نوع من الإنكار والتعجب أي: أرضيتم بالنعيم العاجل في الدنيا الزائل بدل النعيم الباقي. ومن تظافرت أقوال المفسرين على أنها بمعنى بدل أي: بدل الآخرة كقوله: * (لجعلنا منكم ملئكة) * أي بدلا، ومنه قول الشاعر:
* فليت لنا من ماء زمزم شربة * مبردة باتت على طهيان * أي بدلا من ماء زمزم، والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء تعلق فيه أوعية الماء حتى تبرد. وأصحابنا لا يثبتون أن تكون هن للبدل. ويتعلق في الآخرة بمحذوف التقدير: فما متاع الحياة الدنيا محسوبا في نعيم الآخرة. وقال الحوفي: في الآخر متعلق بقليل، وقليل خبر الابتداء. وصلح أن يعمل في الظرف مقدما، لأن رائحة الفعل تعمل في الظرف. ولو قلت: ما زيد عمرا إلا يضرب، لم يجز.
* (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير) *: هذا سخط على المتثاقلين عظيم، حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين، وأنه يهلكهم ويستبدل قوما آخرين خيرا منهم وأطوع، وأنه غني عنهم في نصرة دينه، لا يقدح تثاقلهم فيها شيئا. وقيل: يعذبكم بإمساك المطر عنكم. وروي عن ابن عباس أنه قال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قبيلة فقعدت، فأمسك الله عنها المطر وعذبها بها به. والمستبدل الموعود بهم، قال: جماعة أهل اليمن. وقال ابن جبير: أبناء فارس. وقال ابن عباس: هم التابعون، والظاهر مستغن عن التخصيص. وقال الأصم: معناه أنه تعالى يخرج رسوله من بين أظهرهم إلى المدينة. قال القاضي: وهذا ضعيف، لأن اللفظ لا دلالة فيه على أنه ينتقل من المدينة إلى غيرها، ولا يمتنع أن يظهر في المدينة أقواما يعينونه على الغزو، ولا يمتنع أن يعينه بأقوام من الملائكة أيضا حال كونه هناك. والضمير في: ولا تضروه شيئا، عائد على الله تعالى أي: ولا تضروا دينه شيئا. وقيل: على الرسول، لأنه تعالى قد عصمه ووعده بالنصر، ووعده كائن لا محالة. ولما رتب على انتفاء نفرهم التعذيب والاستبدال وانتفاء الضرر، أخبر تعالى أنه على كل شيء تتعلق إرادته به قدير من التعذيب والتغيير وغير ذلك.
* (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا) *: ألا تنصروه فيه انتفاء النصر بأي طريق كان من نفر أو