رسول الله صلى الله عليه وسلم): (ذهب أهل الدثور بالأجور) وقيل: لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه، وتولوا بأركانهم، وولوا ظهورهم. وأضمر القول في هذا ما كنزتم أي: يقال لهم وقت الكي والإشارة بهذا إلى المال المكنوز، أو إشارة إلى الكي على حذف مضاف من ما كنزتم، أي: هذا الكي نتيجة ما كنزتم، أو ثمرة ما كنزتم. ومعنى لأنفسكم: لتنتفع به أنفسكم وتلتذ، فصار عذابا لكم، وهذا القول توبيخ لهم. فذوقوا ما كنتم أي: وبال المال الذي كنتم تكنزون. ويجوز أن تكون ما مصدرية أي: وبال كونكم كانزين. وقرئ يكنزون بضم النون. وفي حديث أبي ذر: (بشر الكانزين برصد يحمى عليها في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدييه وتزلزله وتكوى الجباه والجنوب والظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم) وفي حصحي البخاري وصحيح مسلم: (الوعيد الشديد لمانع الزكاة).
* (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق * السماوات والارض * منها أربعة حرم ذالك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله) * كانت العرب لا عيش لأكثرها إلا من الغارات وأعمال سلاحها، فكانت إذا توالت عليهم الأربعة الحرم صعب عليها وأملقوا، وكان بنو فقيم من كنانة أهل دين وتمسك بشرع إبراهيم عليه السلام، فانتدب منهم القلمس وهو حذيفة بن عبيد بن فقيم فنسأ الشهور للعرب، ثم خلفه على ذلك ابنه عباد، ثم ابنه قلع، ثم ابنه أمية، ثم ابنه عوف، ثم ابنه جنادة بن عوف، وعليه قام الإسلام. وكانت العرب إذا فرغت من حجها جاء إليه من شاء منهم مجتمعين فقالوا: أنسئنا شهرا أي: أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر، فيحل لهم المحرم، فيغيرون فيه ويعيشون. ثم يلزمون حرمة صفر ليوافقوا عدة الأشهر الأربعة، ويسمون ذلك الصفر المحرم، ويسمون ربيعا الأول صفرا، وربيعا الآخر ربيعا الأول، وهكذا في سائر الشهور يستقبلون نسيئهم في المحرم الموضع لهم، فيسقط على هذا حكم المحرم الذي حلل لهم، وتجيء السنة من ثلاثة عشر شهرا أولها المحرم المحلل، ثم المحرم الذي هو في الحقيقة صفر، ثم استقبال السنة كما ذكرنا.
قال مجاهد: ثم كانوا يحجون في كل عام شهرين ولاء، وبعد ذلك يبدلون فيحجون عامين ولاء، ثم كذلك حتى كانت حجة أبي بكر في ذي القعدة حقيقة، وهم يسمونه ذا الحجة ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم) سنة عشر في ذي الحجة حقيقة، فذلك قوله: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا أربعة حرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).
ومناسبة هذه الآية أنه لما ذكر أنواعا من قبائح أهل الشرك وأهل الكتاب، ذكر أيضا نوعا منه وهو تغيير العرب أحكام الله تعالى، لأنه حكم في وقت بحكم خاص، فإذا غيروا ذلك الوقت فقد غيروا حكم الله. والشهور: جمع كثرة لما كانت أزيد من عشرة، بخلاف قوله: (الحج أشهر معلومات) فجاء بلفظ جمع القلة، والمعنى: شهور السنة القمرية، لأنهم كانوا يؤرخون بالسنة القمرية لا شمسية، توارثوه عن إسماعيل وإبراهيم. ومعنى عند الله: أي، في حكمه وتقديره كما تقول: هذا عند أبي حنيفة. وقيل: التقدير عدة الشهور التي تسمى سنة واثنا عشر، لأنهم جعلوا أشهر العام ثلاثة عشر. وقرأ ابن القعقاع وهبيرة عن حفص: بإسكان العين مع إثبات الألف، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة، كما