تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٨
* إذا جمحت نساؤكم إليه * اشظ كأنه مسد مغار * حمز قفر، وقيل: بمعنى جمح. قال رؤبة:
* قاربت بين عنقي وجمزي اللمز قال الليث: هو كالغمز في الوجه. وقال الجوهري: العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها. وقال الأزهري: أصل اللمز الدفع، لمزته دفعته. الغرم: أصله لزوم ما يشق، والغرام العذاب الشاق، وسمي العشق غراما لكونه شاقا ولازما.
* * (المشركون ياأيها الذين ءامنوا إن كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة) * لما ذكر أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، ذكر ما هو كثير منهم تنقيصا من شأنهم وتحقيرا لهم، وأن مثل هؤلاء لا ينبغي تعظيمهم، فضلا عن اتخاذهم أربابا لما اشتملوا عليه من أكل المال بالباطل، وصدهم عن سبيل الله. واندرجوا في عموم الذين يكنزون الذهب والفضة، فجمعوا بين الخصلتين المذمومتين: أكل المال بالباطل، وكنز المال إن ضنوا أن ينفقوها في سبيل الله، وأكلهم المال بالباطل هو أخذهم من أموال اتباعهم ضرائب باسم الكنائس والبيع، وغير ذلك مما يوهمونهم به أن النفقة فيه من الشرع والتقرب إلى الله، وهم يحجبون تلك الأموال كالراهب الذي استخرج سلمان كنزه. وكما يأخذونه من الرشا في الأحكام، كإيهام حماية دينهم، وصدهم عن سبيل الله هو دين الإسلام واتباع الرسول. وقيل: الجور في الحكم، ويحتمل أن يكون يصدون متعديا وهو أبلغ في الذم، ويحتمل أن يكون قاصرا.
وقرأ الجمهور: والذين بالواو، وهو عام يندرج فيه من يكنز من المسلمين. وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط، ولذلك دخلت الفاء في خبره في قوله: فبشرهم. وقيل:
والذين يكنزون من أوصاف الكثير من الأحبار والرهبان. وروي هذا القول عن عثمان ومعاوية. وقيل: كلام مبتدأ أراد به مانعي الزكاة من المسلمين، وروي هذا القول عن السدي، والظاهر العموم كما قلناه، فيقرن بين الكانزين من المسلمين، وبين المرتشين من الأحبار والرهبان تغليظا ودلالة على أنهم سواء في التبشير بالعذاب. وروي العموم عن أبي ذر وغيره. وقرأ ابن مصرف: الذين بغير واو، وهو ظاهر في كونه من أوصاف من تقدم، ويحتمل الاستئناف والعموم. والظاهر ذم من يكنز ولا ينفق في سبيل الله. وما جاء في ذم من ترك صفراء وبيضاء، وأنه يكوى بها إلى غير ذلك من أحاديث هو قبل أن تفرض الزكاة، والتوعد في الكنز إنما وقع على منع الحقوق منه، فلذلك قال كثير من العلماء: الكنز هو المال الذي لا تؤدى زكاته وإن كان على وجه الأرض، فأما المال المدفون إذا أخرجت زكاته فليس بكنز. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (كل ما أديت زكاته فليس بكنز) وعن عمر أنه قال لرجل باع أرضا أحرز مالك الذي أخذت أحفر له تحت فراش امرأتك فقال: أليس بكنز، فقال: (ما أدى زكاته فليس بكنز). وعن ابن عمر وعكرمة والشعبي والسدي ومالك وجمهور أهل العلم مثل ذلك. وقال علي: أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما زاد عليها فهو كنز وإن أديت زكاته. وقال أبو ذر وجماعة معه: ما فضل من مال الرجل على حاجة نفسه فهو كنز. وهذان القولان يقتضيان أن الذم في جنس المال، لا في منع الزكاة فقط. وقال عمر بن عبد العزيز: هي منسوخة بقوله: (خذ من أموالهم صدقة) فأتى فرض الزكاة على هذا كله، كأن الآية تضمنت: لا تجمعوا مالا فتعذبوا، فنسخه التقرير الذي في قوله: خذ من أموالهم صدقة، والله تعالى أكرم من أن يجمع على عبده مالا من جهة أذن له فيها ويؤدى عنه ما أوجبه عليه فيه ثم يعاقبه
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»