تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٧
وجعلوه عدة للجواب، وتقدم خلاف القراء في يحزن. وقرأ زيد بن علي، وابن هرمز، وابن محيصن: ليحزني بتشديد النون، والجمهور بالفك. وليحزنني مضارع مستقبل لا حال، لأن المضارع إذا أسند إلى متوقع تخلص للاستقبال، لأن ذلك المتوقع مستقبل وهو المسبب لأثره، فمحال أن يتقدم الأثر عليه، فالذهاب لم يقع، فالحزن لم يقع. كما قال:
* يهولك أن تموت وأنت ملغ * لما فيه النجاة من العذاب * وقرأ زيد بن علي: تذهبوا به من أذهب رباعيا، ويخرج على زيادة الباء في به، كما خرج بعضهم تنبت بالدهن. في قراءة من ضم التاء وكسر الباء أي: تنبت الدهن وتذهبوه. وقرأ الجمهور: والذئب بالهمز، وهي لغة الحجز. وقرأ الكسائي، وورش، وحمزة: إذا وقف بغير همز. وقال نصر: سمعت أبا عمر ولا يهمز. وعدل إخوة يوسف عن أحد الشيئين وهو حزنه على ذهابهم به لقصر مدة الحزن، وإيهامهم أنهم يرجعون به إليه عن قريب، وعدلوا إلى قضية الذئب وهو السبب الأقوى في منعه أن تذهبوا به، فحلفوا له لئن كان ما خافه من خطفة الذئب أخاهم من بينهم، وحالهم أنهم عشرة رجال بمثلهم تعصب الأمور وتكفي الخطوب. إنهم إذا لقوم خاسرون أي: هالكون ضعفاء وجورا وعجزا، أو مستحقون أن يهلكوا، لأنهم لا غنى عندهم ولا جدوى في حياتهم، أو مستحقون بأن يدعى عليهم بالخسار والدمار، وأن يقال: خسرهم الله ودمرهم حين أكل الذئب بعضهم وهم حاضرون. وقيل: إن لم نقدر على حفظه بعضنا فقد هلكت مواشينا، إذا وخسرنا. وروي أن يعقوب رأى في منامه كأنه على ذروة جبل، وكان يوسف في بطن الوادي، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته يردن أكله، فدرأ عنه واحد، ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام.
* (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هاذا وهم لا يشعرون لا يشعرون * وجاءوا أباهم عشاء يبكون * قالوا يأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون * وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هاذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون) *: حكي أنهم قالوا ليوسف: اطلب من أبيك أن يبعثك معنا، فأقبل على يوسف فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم. قال يعقوب: إذا كان غدا أذنت لك، فلما أصبح يوسف لبس ثيابه وشد عليه منطقته، وخرج مع أخوته فشيعهم يعقوب وقال: يا بني أوصيكم بتقوى الله وبحبيبي يوسف، ثم أقبل على يوسف وضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم قال: استودعتك الله رب العالمين، وانصرف. فحملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدا معهم إضرارا به. وذكر المسفرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب ومجاورته لهم بما يلين الصخر، وهم لا يزدادون إلا قساوة. ولم يتعرض القرآن ولا الحديث الصحيح لشيء منها، فيوقف عليها في كتب التفسير. وبين هذه الجملة والجمل التي قبلها محذوف يدل عليه المعنى تقديره: فأجابهم إلى ما سألوه وأرسل معهم يوسف، فلما ذهبوا به وأجمعوا أي: عزموا واتفقوا على إلقائه في الجب، وأن يجعلوه مفعول أجمعوا، يقال: أجمع الأمر وأزمعه بمعنى العزم عليه، واحتمل أن يكون الجعل هنا بمعنى الإلقاء، وبمعنى التصيير. واختلفوا في جواب لما أهو مثبت؟ أو محذوف؟ فمن قال: مثبت، قال: هو قولهم قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق أي: لما كان كيت وكيت، قالوا وهو تخريج حسن. وقيل: هو أوحينا، والواو زائدة، وعلى هذا مذهب الكوفيين يزاد عندهم بعد لما، وحتى إذا. وعلى ذلك خرجوا قوله: فلما أسلما وتله للجيين وناديناه أي: ناديناه وقوله: حتى إذا جاؤوها وفتحت أي: فتحت. وقول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»