متمكنان، وليسا بظرفين. وقال أبو حاتم: وهذا رديء في العربية، وإنما يقع هذا البناء في الظروف. وقال الزمخشري: والمعنى من قبل القميص ومن دبره، وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها: قبل، ومن جهة يقال لها: دبر. وعن ابن أبي إسحاق: أنه قرأ من قبل ومن دبر بالفتح، كان جعلهما علمين للجهتين، فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث. وقال أيضا: (فإن قلت): إن دل قد قميصه من دبر على أنها كاذبة وأنها هي التي تبعته واجتذبت ثوبه إليها فقدته، فمن أين دل قده من قبل على أنها صادقة، وأنه كان تابعها؟ (قلت): من وجهين: أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعة عن نفسها فقدت قميصه من قدامه بالدفع. والثاني: أن يسرع خلفها ليلحقها، فيتعثر في قدام قميصه فيشقه انتهى. وقوله: وهو من الكاذبين، وهو من الصادقين، جملتان مؤكدتان لأن من قوله: فصدقت، يعلم كذبه. ومن قوله: فكذبت، يعلم صدقه. وفي بناء قد للمفعول ستر على من قده، ولما كان الشاهد من أهلها راعي جهة المرأة فبدأ بتعليق صدقها على تبين كون القميص قد من قبل، ولما كانت كل جملة مستقلة بنفسها أبرز اسم كان بلفظ المظهر، ولم يضمر ليدل على الاستقلال، ولكون التصريح به أوضح. وهو نظير قوله: * (من يطع * الله ورسوله فقد * إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى) * فلما رأى العزيز، وقيل: الشاهد قميصه قد من دبر قال: إنه أي إن قولك: ما جزاء إلى آخره قاله الزجاج، أو أن هذا الأمر وهو طمعها في يوسف ذكره الماوردي والزمخشري، أو إلى تمزيق القميص قاله: مقاتل والخطاب في من كيدكن لها ولجواريها، أولها وللنساء. ووصف كيد النساء بالعظم، وإن كان قد يوجد في الرجال، لأنهن ألطف كيدا بما جبلن عليه وبما تفرغن له، واكتسب بعضهن من بعض، وهن أنفذ حيلة. وقال تعالى: * (ومن شر النفاثات فى العقد) * وأما اللواتي في القصور فمعهن من ذلك ما لا يوجد لغيرهن، لكونهن أكثر تفرغا من غيرهن، وأكثر تأنسا بأمثالهن.
يوسف أعرض عن هذا أي: عن هذا الأمر واكتمه، ولا تتحدث به. وفي ندائه باسمه تقريب له وتلطيف، ثم أقبل عليها وقال: واستغفري لذنبك، والظاهر أن المتكلم بهذا هو العزيز. وقال ابن عباس: ناداه الشاهد وهو الرجل الذي كان مع العزيز وقال: استغفري لذنبك، أي لزوجك وسيدك انتهى. ثم ذكر سبب الاستغفار وهو قوله: لذنبك، ثم أكد ذلك بقوله: إنك كنت من الخاطئين، ولم يقل من الخاطئات، لأن الخاطئين أعم، لأنه ينطلق على الذكور والإناث بالتغليب. يقال: خطىء إذا أذنب متعمدا. قال الزمخشري: وما كان العزيز إلا حليما، روي أنه كان قليل الغيرة انتهى. وتربة إقليم قطفير اقتضت هذا، وأين هذا مما جرى لبعض ملوكنا أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس أنه وجارية تغنيهم من وراء ستر، فاستعاد بعض خلصائه بيتين من الجارية كانت قد غنت بهما، فما لبث أن جيء برأس الجارية مقطوعا في طست وقال له الملك: استعد البيتين من هذا الرأس، فسقط في يد ذلك المستعيد، ومرض مدة حياة ذلك الملك.
2 (* (وقال نسوة فى المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها فى ضلال مبين * فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وءاتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هاذا بشرا إن هاذآ إلا ملك كريم * قالت فذالكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل مآ ءامره ليسجنن وليكونا من الصاغرين * قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه